Sun | 2018.Jan.28

النزول المزدوج


أَمَّا أَنـا فَدُودَةٌ لاَ إِنسَانٌ

هل نُدرك إلى أي درجة اتضع حبيبنا؟! اسمعه يقول تلك الكلمات العجيبة «أنَا دُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ». إنها مسافة لا تُقاس، التي بين قول الرب قديمًا لموسى في خروج 14:3 «أَهْيَه». وهي بعينها العبارة التي قالها للذين أتوا ليقبضوا عليه في البستان: «أنَا هُوَ»، وقوله بعد ساعات معدودة في الجلجثة: «أنا دُودَة»!

وليُمكننا فهم تلك المسافة بصورة أفضل دعنا نقسمها إلى نزولين لا نزول واحد. وما أعظمهما مِن نزولين نزلهما المسيح من أجلي ومن أجلك!

النزول الأول من السماء إلى الأرض؛ من حضن الآب إلى مذود بيت لحم. وذاك الذي لا بداية أيام له ولا نهاية حياة، يقول عنه الملاك للرعاة: «تَجِدُونَ طِفْلاً». واللابس النور كثوب، يصفه الملاك للرعاة بهذا الوصف: «مُقَمَّطًا». والذي يقول عنه سليمان أن السماء وسماء السماوات لا تسَعَهُ، يقول عنه الملاك: «مُضْجَعًا فِي مِذوَدٍ».

تفكَّري يا نفسي في أعجوبة الأعاجيب هذه. إنه أمر فوق المدارك أن الله العظيم يُقال عنه: «تَجِدُونَ طِفْلاً»، واللابس النور يلبس أقمطة كأي طفل صغير، بل ويُضجع في المذود، كما لم يحدث مع باقي الأطفال. والذي لا تَسَعه السماء وسماء السماوات لم يُولد في بيت ذهبي أو حتى ترابي، بل وُلد في مذود إذ لم يكن له موضع في المنزل!! فما أعظم هذا الاتضاع! لاقَ بالنبي أن يقول: «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» ( إش 53: 1 ).

لكن هذا كله كان فقط المرحلة الأولى في اتضاعه، وليس كل الاتضاع. حقًا لقد صار إنسانًا، وهو يقول عن نفسه أكثر من مرة إنه إنسان «أَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ» ( يو 8: 40 ). الله العظيم رضيَ أن يقول عن نفسه إنه «إِنْسَان». لكن هناك مرحلة ثانية يُعبَّر عنها هنا بالقول: «أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ». في خطوة الاتضاع الأولى، نزل من السماء إلى الأرض «وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ»، لكن الذي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وُضِعَ أيضًا قَلِيلاً عن البشر، فقال: «أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ»، وذلك عندما مضى إلى الجلجثة، وعُلِّق فوق الصليب.

ما أعجب هذا النزول المزدوج والتواضع المُثنَّى! فالمسيح لم يتجسد فقط بل إنه أيضًا مات. ليس فقط ضمَّهُ مذود بل ضمَّهُ أيضًا قبر. ليس فقط لفوُّه بالأقمطة بل أيضًا لفوُّه بالأكفان. ومُحيي الرميم الذي له وحده عدم الموت سيِقَ للصلبِ واللحد!!

يوسف رياض



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6