Mon | 2018.Jan.08

المُعطي المسرور


هُنـا غُلاَمٌ مَعَـهُ خـمْسَةُ أَرْغِفَـةِ شَعِـيرٍ وَسَمَكَـتانِ

في بيت عنيا كسرت مريم قارورة الطيب وسكَبتهُ على رأس الرب، وأنعَشتهُ بمحبتها التكريسية وهو ذاهب إلى الصليب، والكل قد شعر بتأثير ذلك. والرب قدَّر هذا العمل وهذه التضحية وعبَّر عن سروره ورضاه بقوله: «قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا! ... عَمِلَتْ (كل) مَا عِنْدَهَا ... حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا». بهذا نعرف كم يُقدِّر الرب ما نعطيه له ويستثمره لبركة الكثيرين عبر أجيالٍ كثيرة. فهل نُقدِّم حياتنا وأغلى ما عندنا على المذبح ذبيحةً تبغي رضاه؟

الرب لا يأخذ من أيدينا شيئًا بالإكراه والقهر، بل بالإرادة الخاضعة التي تُقدِّم بالرضى والسـرور. وفي حادثة إشباع الجموع سأل الرب التلاميذ: «كَمْ رَغِيفًا عِنْدَكُمْ؟»، وكان هناك غلام صغير معه خمسة أرغفة وسمكتان، أعطتهم له أُمه كوَجبَة شخصية إذا طال به الوقت وجاع. وبالتأكيد أن أي غلام في هذا السن بالطبيعة والغريزة سيتمسَّك بما عنده، ولن يفكر أن يُعطيه لأُناس لا يعرفهم. ولو حاول فيلبس أو أندراوس أن يأخذهُ منه بالقوة، كان سيرفض ويجري إلى الرب شاكيًا وباكيًا، وهل كان الرب سيقبل ذلك؟! كلا البتة. فالمؤكد أن الغلام قدَّم بسرور وطواعية كل ما يملك، وأودعَهُ في يد الرب، والرب رأى هذه الرغبة وهو يُقدِّم بابتسام كل ما عنده، لهذا قَبِلَ وأخذها من يده، وكسرها وبارك وأشبع كل الجموع.

وكم كان الغلام سعيدًا أن يرى كيف استخدم الرب البسيط الذي عنده ليُحقق مجده أمام الكل، ويشبع به الجموع الجائعة! والكتاب يسجل أن الآكلين كانوا نحو 5000 رجل ما عدا النساء والأطفال. وجميل أن نرى حتى الأطفال قد تعلَّموا درسًا لا يُمحى أن الصغير يمكن أن يُقدِّم مثل الكبير، والرب يقبل من يده ويبارك. والأهم ليس كم نُقدِّم بل كيف نُقدِّم «لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ». والقليل الذي عندنا يتلامس مع الكثير الذي من السماء. والرب حتمًا سيُكافئ، ولعل الاثني عشـر قُفة التي زادَت قد رجعت إلى الغلام الصغير. وأهم من ذلك أن قصته قد ذُكرت على صفحات الوحي وكُتبت لأجل تعليمنا. وهذا ما يحدث معنا عندما نُقدِّم الغالي والثمين للرب بخضوع وخشوع، حتى لو اقترن هذا بكسر أو ألم أو حرمان، فمن الكسر ستنبع البركة الغزيرة لجموعٍ كثيرة.

محب نصيف



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6