Wed | 2018.Jan.24

كان ميتًا فعاش


«لأنَّ ابْنِي هَذا كَانَ مَيتـًا فَعَاشَ، وكَانَ ضَالاًّ فَوُجدَ»

كان للرب يسوع سلطان على الروح بعد خروجها ( لو 7: 13 -15). وكان له - تبارك اسمه - سلطان على الريح والموج العنيف ( لو 8: 24 )، كما كان له سلطان على الأرواح النجسة ( لو 8: 29 ). وبالرغـم من أنه - له كل المجد - صاحب سلطان، إلا إنه يُقدِّر إرادة الإنسان. وفي مَثَل الابن الضال ( لو 15: 11 - 32)، عندما طلب الابن الأصغر قائلاً: «يَا أَبِي أَعْطِنِي القِسمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ المَالِ»، نقرأ: «فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الاِبْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَـرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْـرِفٍ» وفي هذا المَثَل نرى:

(1) إرادة عاصية، وعبودية قاسية: لقد عصـى الابن إرادة أبيه، وكسـر قلبه، عندما أراد أن يستقل عنه، ويأخذ نصيبه، ويترك البيت، ويذهب إلى كورة بعيدة ظنًا منه أن المال يَهبهُ السعادة، والبلاد البعيدة تمنحهُ الحرية، ولكن هيهات فالمال نفد، والجوع حدث، والاحتياج ابتدأ، والذي كان بالأمس مُدلَّلاً ومُكرَّمًا، أرسلهُ واحد من الكورة التي أحبها وأقام فيها، إلى حقوله ليرعى خنازير. فيا للعبودية! ويا للنجاسة! «وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ». فيا للمهانة!

(2) عودة فورية، وتوبة عملية: لقد استيقظ الابن «فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ»؛ وكأنه كان تائهًا وغائبًا عنها. ثم فكر: «كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا!». فقرَّر: «أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي». وأخذ كلامًا: «يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْناً. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ». ثم حَوَّل الكلام إلى أفعال: «فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ». وقدَّم اعترافًا صادقًا: «يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ ... وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا».

(3) أحضان أبوية، وعطايا غنية: ما أسعدنا بالأب المُحبّ؛ كان منتظرًا ومُتلهفًا: «وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ». وكان مُبادرًا وحانيًا: «فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ». وما أسمى عطاياه! فَقَالَ لِعَبِيدِهِ: «أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ (برًا)، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ (سلطانًا)، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ (مقامًا وسلوكًا)، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ (فداءً وسلامًا) فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ (شبعًا وفرحًا)، لأَنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ (حياةً وهُدى). فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ». فالرجوع والاعتراف بالعجز وعدم النفع هو الشيء الوحيد الذي يضمن لنا فرحًا سمائيًا يبدأ ولا ينتهي.

صفوت تادرس



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6