مَنْ هو التلميذ الحقيقي ليسوع المسيح؟


مَنْ هو التلميذ الحقيقي ليسوع المسيح؟

الدكتور أبو دورام

 

 

يوم الاثنين الماضي أنا ورجل الأعمال كنا نتكلم عن طبيعة الحياة في بلادنا وفي أثناء الحديث سألته لماذا ذهبت إلى الشركة في يوم العيد؟ أجابني أنه مشغول دائما لأن الوضع في العمل يتطلب بوجوده في الشركة وذهب إلى الشركة وأضافت زوجته وقالت: الأولوية في حياتي زوجي هي: أولاً الله، ثانياً، الشغل، ثالثاً، الزوجة.

دعونا اليوم نقرأ من المقطع الكتابي الرائع الذي يشجع حياتنا من(لو14: 26ـ33) «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ، قَائِلِينَ: هذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟ وَإِلاَّ فَمَا دَامَ ذلِكَ بَعِيدًا، يُرْسِلُ سِفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. فَكَذلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. 

عنوان موضوعنا في هذا اليوم هو {مَنْ هو التلميذ الحقيقي ليسوع المسيح؟}  إذن ماذا قال يسوع لنا عن موضوع الأولوية؟  

أولا، في(العدد26)، نبهنا يسوع إلى ضرورة أن نحبه أكثر من كل شيء حتى نكون تلاميذه الحقيقيين له، فهو يسألنا عن أولويتنا في حياتنا. يا تري هل المسيح محور حياتك؟

ثانيا، تعليم يسوع أن التلميذ الحقيقي هو الذي يحمل صليبه ويتبعه، والصليب ليس الخشبة، أو بمثابة احتمال مرض معين أو مشكلة مادية معينة، ولكن أن يجمل الصليب معناه قبول السير في طريق العار والألم. فالتلميذ يجب أن يأتي وراء المسيح ، بمعنى أن عليه أن يعيش كما عاش المسيح على الأرض أن ينكر نفسه ويتواضع قدام الرب،وإتباع يسوع معناه الخضوع الكامل له حتى إلى الموت.

 

يا تري ما الشيء الذي يشغل تفكيرك في هذه الأيام؟ لما تكون حاضر اجتماع العبادة مع المؤمنين أين أنت من العبادة اليوم؟ أو ما الشيء اللي يُشغلك عن حضورك يوم الأحد أو أي يوم آخر؟ يمكن يكون جوابك على هذه الأسئلة: أنا مشغول أعمل آيه، كل حاجة لازم أعملها أنا، لأنه بصراحة لو أنا ما عملت كل شيء بنفسي لا يمكن أن تكون الأمور جيدة أو يكون جوابك: الحياة أصبحت صعبة وأنا أهتم بالفلوس أكثر من العبادة وهذه هي دوامة المشغولية.

طيب، هل أنت تريد أن يأتي الله أولا في حياتك؟ أم هناك أمور تشغلك عن عبادته وتحرمك من حضورك إلى الكنيسة؟ يوجد مثال رائع في الكتاب المقدس في(لو10: 39ـ40) موضوع مريم ومرثا، ولكن يا ترى هل حياتك مثل مريم أم مثل مرثا؟

 

"وَكَانَتْ لمَرْثَا أُخْتٌ تُدْعَى مَرْيَمَ، الَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ. وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ". نعم دوامة المشغولية والاهتمامات والارتباكات الكثيرة تفقدك امتياز الجلوس عند قدمي يسوع المسيح. وبالتالي لا تقدر أن تسمع صوت الرب. ودوامة المشغولية تمنعك عن الإصغاء لصوت الرب. وكذلك لا تستطيع أن تميز صوت الرب عن أصوات العالم والصوت الجسدي.

 

نحن نعيش حسب الظروف كما قال رجل الأعمال قائلا " الوضع في بلادنا يتطلب وجودي في الشركة" وكلامه صحيح إلى حد ما. ولكن ماذا قال يسوع المسيح في هذا الأمر ؟

 

لقد كان يسوع المسيح يعيش بالمباديء وليس بحسب الظروف. نحن كتلاميذ له، السؤال إذن كيف نعيش؟ هل تعيش بحسب الظروف أم بحسب المباديء؟ وأنا اقول بأن كل مشكلة لدى الإنسان ترجع إلى مفهومه عن الله. فإذا كان مفهومك عن الله، بأنه الله الكبير غير المحدود، فإن المشاكل التي لديك تكون صغيرة. أما إذا كان مفهومك عن الله أنه الله الصغير المحدود فإن المشاكل التي لديك تكون كبيرة. فعندما يكون إلهك كبيرا حينئذ تصبح كل مشكلة ولا شيء، وعندما يكون إلهك صغيرا فكل مشكلة تصبح عائقا لك.

 

إذن ما هي مباديء التلمذة؟ وهنا يسوع استخدم صورتين للتوضيح وهما: بناء برج والاستعداد للذهاب للمعركة. ويصف(العدد28)البدء في بناء البرج ولكنه لا يكتمل.هل بدأت في عمل شيء وفشلت في تكملته؟ هل أعطيت وعدا وفشلت في تنفيذه؟ الرجاء اقرأ(28-30)مرة أخرى. لقد استخدم يسوع هذا المثال ليؤكد على أهمية حساب التكملة بدقة في موضوع التلمذة قبل أن يكرس الإنسان نفسه للمسيح. فلا تبدأ في شيء إلا إذا كنت مستعدا أن تكمله.

 

أولاً: فالتلميذ لازم أن يستعد لدفع الثمن.

فالإنسان الذي لا يحسب تكاليف البناء الذي يبنيه فإنه يعجز عن إتمام البناء. هل تعيش حياتك الروحية كتلميذ ليسوع المسيح وتشعر أنه يوجد فيك نقص روحي معين؟ هل حسبت تكاليف الالتزام والخضوع ليسوع؟ لأن الثمن الذي سوف تدفعه لكونك لست تلميذا يكون أعظم بكثير من الثمن الذي تدفعه لكونك تلميذا.

 

فما هي هذه التكاليف في نظرك؟ ربما يمكن لأجل إتباعك ليسوع المسيح تخسر أموالك، تخسر وظيفتك، تخسر حياتك لأن إتباع شخص يسوع المسيح لا يعني أنك تعيش حياة روحية مريحة وسهلة وبدون أي متاعب ولكن في الحقيقة الحياة المسيحية صعبة وليست سهلة.

ثانياً: فالتلميذ الحقيقي يحسب بدقة تكاليف التلمذة للمسيح وهذا يتطلب التخطيط الجيد من البداية.

يسوع قال من الأفضل أن تحسب النفقة أولاً قبل أن تبدأ بالتنفيذ أو العمل.  

أما المثال الثاني الذي ذكره المسيح فهو عن ملك أراد أن يعلن حربا على ملك آخر(عدد31، 32) "أي ملك ان ذهب لمقابلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولا ويتشاور هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفا والا فما دام ذلك بعيدا يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح."

 

ويمكن تشبيه الحياة المسيحية بعملية حرب. فهناك أعداء للمؤمن وهم: العالم والجسد والشيطان. ونجد أنه يوجد من حولنا عملية القتل للأبرياء كل يوم، والآلآم الصعبة التي يمر بها معظم الناس، والدموع والآلام والامتحانات القاسية، وأيضا الاضطهادات والضيق فعلينا أن نحسب حساب النفقة. إذا كان عندك نور المسيح فمن السهل كشف الظلمة. وإذا كنا نمر في الضيق والمفشل فهذا مؤشر روحي بإن الله يدعوك لجلوس عند قدميه. أما إذا كان وضعك ما فيه ضيقات فمن الضروري أن تفحص حالتك الروحية. لأن الوضع بدون المشاكل  يحتاج إلى انتباه أكثر في حياتك الروحية. ويقول بولس(رو8: 35)مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟

يا أحبائي، لا توجد ضيقات تقدر أن تفصلنا عن محبة المسيح، ويقول الرسول بولس في(1كو10: 13) لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا.

 

سمعت قصة من القس(كيم سام هوان)عما حدث في حياة والده. كانت عائلة والده  تؤمن بالكونفوشية وهي فلسفة صينية السلوك الحسن بحسب المباديء الإنسانية. مثل: ولاء الشعب للملك، وإكرام الصغار للكبار، وتقدير الصداقة بين الأشخاص وعدم اقتراب الزوج من الزوجة في الأماكن عامة. وبحسب هذه المباديء الفلسفية لا يمكن الأولاد أن يعترضوا على والديهم. ولكن والد القس كيم حضر إلى الكنيسة بدأ يقرأ كلمة الله بدلاً من أن يقرأ الكتب عن الفلسفة الصينية والأدبية. فضربه الوالد مرات كثيرة من أجل ذلك. وبالرغم من هذه الضربات إلا أن والد القس كيم أحب والده واحترمه. وفي يوم من الأيام قال جد القس كيم لوالده ، تعال أحكي مَنْ هو يسوع المسيح؟ وبالفعل جد القسيس قبل الرب يسوع مخلص ورب على حياته. ثالثاً: فالتلميذ الحقيقي يدفع الثمن والألم ملازم للحرب، فعلينا أن نضحي بكثير من نفقاتنا.

نحن الآن في وسط الحرب الروحية والضيق. وتتطلب الحرب حياة التضحية ولابد للانتصار، وأيضاً مرات نستخدم مواردنا في حربنا.

فالإيمان الذي لا يُضحي بأي شيء لا يساوي شيئاً، وإن كنا نهتم بالرب يسوع، فيجب أن يكون هو الكل في الكل بالنسبة لنا جميعا.   

وعندما تدخل مع العدو في المعركة، لابد من الإجابة على السؤالين. الأول: هل أستطيع بمواردي أن أهزمه؟ الثاني: هل أقدر أن أدفع تكلفة هزيمته؟ وتتطلب الحرب مهارة في استخدام الأسلحة؟

 

ومن الأسلحة المسيحية هي: الصلاة، وكلمة الله، واسم ودم يسوع، والروح القدس. لذلك علينا أن نواظب على الصلاة الحارة بلجاجة لأنها الوسيلة الوحيدة التي تستطيع أن تهدم حصون العدو. وعلينا أن نكون بارعين في استخدام سيف الروح وهو كلمة الله.

 

 ماذا عن الحرب هنا؟ أنها حرب روحية. وقال الرب يسوع(مت16: 18) وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنـِــي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. فالتلميذ مدعو أن يقاوم في معركته ضد قوات الشيطان. وأن يحطم أبواب الجحيم ويطلق الأسرى الذين في الداخل أحراراً باسم يسوع.

ما معنى هنا كلمة "باسم يسوع"؟  عندما نصلي باسم يسوع معناه نحن نقدم الطلبة إلى الله الآب وهو بنفسه قال(يو14: 13) وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. 

 

فإن كنا نصلي باسمه فهذا يعني أنه يمسك أيدينا فاسمه يعلن شخصه، وإن كنا نطلب باسمه فهذا يعني أنه سيفعله هو. فاسمه يعلن عن طبيعته.

 يسوع وعدنا أننا عندما ندخل في حرب روحية مع الشيطان، فإن أبواب الجحيم لن تقوى علينا ولكن هناك ثمن يجب أن ندفعه عندما ندخل المعركة. ولا يستحق تلميذ أن يكون ملح الأرض ما لم يدرك أن المعركة بدأت.وبلا رجوع.

 

في الختام يا أحبائي، لنتذكر كلمات الرب يسوع المسيح" من له أذنان للسمع فليسمع" الرب عارف أن هناك قلوبا مفتوحة وتستجيب لدعوته المقدمة، ومن أجل ذلك باب التلمذة مفتوح أمام كل المؤمنين

 

والذين يسمعون يجب أن يحسبون النفقة ويصممون على إتباع يسوع لا يترددون في القول:

 

صممت أني أتبع يسوع        أتبع يسوع بلا رجوع.

ولو تركني كل خلاني         أتبع يسوع بلا رجوع.

العالم خلفي يسوع أمامي      أتبع يسوع بلا رجوع.

 

يا أحبائي توجد دعوة لكل واحد لكم:

هل تريد أن تصلي لكي تكون تلميذ حقيقي مكرس في حياتك ليسوع؟

·       أدعو الله أولا في حياتك.

·       حساب النفقة والتخطيط

·       الاستعداد في تحمل الضيقات

·       الاستمرار في حياة التلمذة وعدم الاستسلام.

 



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6