لننظر إلى المسيح مرة أخرى


لننظر إلى المسيح مرة أخرى

الدكتور أبو دورام  

 

يا أحبائي، في وقت الظروف الصعبة والمشاكل، والضيقات الشيطان يُشككنا ويخيفينا للدرجة أننا نعتقد أن يسوع تركنا وتخلىّ عنا، وبالتالي يجعلنا أن نحول عيوننا عن شخص يسوع المسيح، ولكن يأتي يسوع في توقيته الإلهي وينقذنا من ضيقاتنا وهذا يجعلنا أن نحول عيوننا مرة أخرى نحو شخص المسيح.

دعونا اليوم نقرأ المقطع الكتابي الرائع الذي يعزينا في ظروفنا الصعبة ويشجعنا في أوقات الفشل والضيق واليأس من(مت22:14-33)

وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ. وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. لأَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ. فَلَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلاَمِيذُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ:«إِنَّهُ خَيَالٌ». وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قِائِلاً: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا». فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ وَقَالَ:«يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنـِــي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ». فَقَالَ:«تَعَالَ». فَــنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ، صَرَخَ قِائِلاً:«يَارَبُّ، نَجِّنِي!». فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ:«يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» وَلَمَّا دَخَلاَ السَّفِينَةَ سَكَنَتِ الرِّيحُ. وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ:«بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ!».

 

عنوان موضوعنا في هذا اليوم الرائع هو{لننظر إلى المسيح مرة أخرى} ونحن نتأمل في كلمة الرب لابد أن نفكر في كيف نطبق كلمة الرب على حياتنا. قبل هذا المقطع يقول الكتاب المقدس(مت15: 20،21) فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً. وَالآ كِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل، مَاعَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ.

عندما نفكر في هذه المعجزة العظيمة نقدر أن نجاوب على هذا السؤال؛ مَنْ هو الذي صنع هذه المعجزة؟

ويقول مقطع اليوم(مت14: 22)وَلِلْوَقْتِ(أي في الحال)أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ.  وهنا نرى شيئين: أولا، انفصال التلاميذ عن الناس، ثانيا، إعطاء التلاميذ الفرصة لكي يفكروا في معجزة إطعام خمسة آلاف. وانفصال التلاميذ عن الناس من المفروض يعطي للمؤمن أن يأخذ وقت أطول في الصلاة مع الله والحديث مع الرب. وعندما نتأمل في شخص المسيح نرى في حياته الاهتمام بالعلاقة مع الآب السماوي، وأيضا العلاقة مع الناس. فالصلاة تولد علاقة حية وحميمة، وأيضاً تقوينا وتجعلنا مستعدين في مواجهة تحديات الحياة..

 يسوع المسيح صعد على الجبل لوحده لكي يُصلي(مت14: 34) وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. يسوع كان عنده نظام يقضي فيه وقت لوحده مع الله الآب فلابد نحن أيضاً أن يكون عندنا هذا الوقت مع الله أبونا لكي يساعدنا هذا الوقت لكي ننمو روحياً ونصبح مشابهين بيسوع المسيح.

 

يقولون أنه مكان معين بقرية في أمريكا عبارة عن صخرة كبيرة و راء القرية وهذا الصخر موجود على شكل وجه إنسان، ويقول أهل القرية أن هذا الوجه دائماً حنون ورؤف، فيتمنى الناس في القرية أن يكونوا مثل الوجه الحنون الذي يوجد في الصخر.

وكان هناك ولد صغير بالقرية كان يتمنى أن يقابل أي في القرية يكون شكله مثل هذه الصورة الموجودة في الصخر، ولكنه لم يجد ولا واحد وبالتالي سافر إلى القرى الأخرى وكمان لم يجد.

ولما رجع إلى قريته بعد 40 سنة شاف أهل قريته هذا الشخص وهو متشابه بالوجه في الصخر. لأن هذا الشخص كان يركز على الصورة الموجودة في الصخر.  

 يمكن للؤمن أن يعمل في "الصمت" بمعنى ممكن لا نتكلم ولو لمدة ساعة محددة ، وهذا مثال إيليا بأنه انتظر على الجبل لكي يسمع من الله، لقد كان صوت الله لطيفاً ومنخفضاً ورقيقاً. فلو أن ايليا لم يكن صامتاً لم يقدر أن يسمع الله ففي الصمت نحتاج أن نضبط أنفسنا أمام ألله. وان الصمت مرتبط بالصلاة والصوم والوحدة، فيمكن القول بأن الصمت هو أقصى درجات الانعزال وعند انعزالنا عن أصوات الآخرين نستطيع أن نسمع صوت المسيح بشكل واضح. لما نصمت بالفم نسمع أكثر صوت الرب بالأذن.

وكذلك من المفيد في بعض الأحيان أن نشعر بالوحدة لأننا في وقت الوحدة(العزلة) ندرك تعزية الله لنا ونجد أمثلة في الكتاب المقدس مثل موسى عندما هرب وسكن في أرض مديان لمدة أربعين سنة(خر2: 15)لكي يُحضر نفسه، وأيضاً داود كان في البرية مع الغنم، وأيضا أمر يسوع المسيح بالوحده(العزلة)في(مت6: 6) وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.

وكذلك كان بولس الرسول عندما أنطلق إلى العربية في(غلا17:1) وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضًا إِلَى دِمَشْقَ. والوحدة(العزلة)تعمل فينا عندما نكون في حالة خيبة الأمل أو عندما نكون مشغولين في الخدمة، ويمكن أن تصاحب هذه الوحدة(العزلة)الصوم وهو الامتناع عن الطعام أو أي عادة مسيطرة على حياتنا لفترة معينة من الوقت وتساعدنا على التركيز على شخص الله.

لقد صام موسى لمدة(40)يوم قبل أن يكتب الوصايا وصام إيليا(40)يوم، وصام يسوع(40)يوم قبل أن يجربه الشيطان في البرية، وهكذا صام يسوع وموسى وإيليا عن جميع أنواع الطعام لكي يركزا على شخص الله، ونتذكر كلام الرسول يعقوب في(يع4: 16) فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ.

فكثير من المؤمنين في هذه الأيام مشغولين بالعمل ووعلاقتهم مع الله الآب ضعيفة لذلك نحن بحاجة إلى الصلاة والصوم والصمت والوحدة(العزلة) لكي نركز على شخص الله الآب ونكون مشابهين صورة يسوع المسيح.

 

ثانياً، تقول كلمة الرب في 24ـ25) وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ. وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ. وقد تكون حالتنا وسط البحر وأمواج العالم تضربنا، ولكن يسوع المسيح جاء في الهزيع الرابع من الليل أي ما بين الساعة الثالثة ووالسادسة صباحاً. وعموماً هذا الوقت يكون ليس لدينا قوة ونستسلم، ونعلن أننا لا نقدر على فعل أي شيء بقدرتنا الشخصية.

فالسؤال متى يمكن أن يعمل الرب في ظروفنا الصعبة؟ عندما نعلن أننا لا نستطيع أي شيء بقوتنا، ونعلن أننا بإيماننا نستطيع كل شيء في المسيح، وقد قال الكتاب المقدس في(عب12: 2) نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.  

 

كما جاء يسوع ماشياً على الماء أي أن الأمواج كانت تحت قدميه، كذلك أيضاً كل مشاكلنا ستكون ولا شيء أمامه وتحت سيطرته بالكامل. هل أنت مُعذب بين أمواج الحياة،؟ يجب عليك أن تحول عينيك عن الأمواج العالية حولك وتنظر إلى شخص الرب يسوع المسيح الذي معك، عندما بدأ بطرس يغرق وعندما حول عينيه عن الرب إلى الأمواج. فطالما ننظر إلى يسوع فقط بعيدا عن أي شيء أخر(عب12: 20)فإننا نستطيع أن نختبر حياة خارقة للطبيعة. فلا تنظر إلى نفسك ولا تنظر إلى الشيء الذي عملته في حياتك. بل انظر إلى يسوع فقط. وحينها نستطيع أن نختبر الحياة الفضلى وحياة الملء وحياة الانتصار.

 فقد اهتز إيمان بطرس عندما رأى حالته ولذا لما نرى حالتنا يهتز إيماننا. فإذا ركزنا أنظارنا على أمواج الظروف الصعبة حولنا دون النظر إلى المسيح طلبا للمعونة فقد نتعرض لليأس والغرق فلكي تحتفظ بإيمانك في وسط المواقف الصعبة ثبت نظرك على المسيح وقوته، لا على ضعفاتك. وما دامت عيناك على يسوع تكون قادرا أن تفعل المستحيل، ويصر المستحيل إلى صار المستطاع بقوة الرب. وعندما اهتز إيمان بطرس لجأ إلى المسيح، فهو الوحيد الذي يقدر أن يعين ويساعد، وتجد معونة من الله في حينه. 

 

وهنا نقطة مهمة أخيرة وهي إن بطرس خاف عندما نظر إلى الأمواج ولكنه صرخ ورفع عينيه مرة أخرى إلى المسيح. فأنقذه  فعندما ندرك المتاعب التي تحيط بنا أو عندما نتعذب بأمواج الحياة أو عندما نقع في خيبة الأمل(تبدأ بالغرق في المشاكل)، علينا أن نصرخ، كما صرخ بطرس: ((يارب نجيني وعلى طول مد يسوع أيده ومسكه))، وننظر مرة أخرى للمسيح فهو يسوع المسيح ينقذنا. أمين

 

كان أغسطينوس دائما سكير وزاني حتى بلغ عمره الـ30 سنة، وفي يوم من الأيام رأى أغسطينوس غلام يرمي الورقة على الارض لأن هذا الغلام لا يمكن أن يقرأ الكتابة، ووقعت الورقة على قدمي أغسطينوس.

لما شاف هذه الورقة وجد بها رسالة هامة، فأخذها. وقرأ هذه الرسالة وهي كلمات من رسالة(رو11:13-12) هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ.

واندهش أغسطينوس بقراءة هذه الرسالة واستيقظ من السكر وتغير بداخله، وعاش حياة جديدة.

يا أحبائي، دعونا في الختام نصلي

يا رب نشكرك من أجل أنك جمعتنا مع بعضنا البعض

نأتي إليك في خشوع. نعبدك، وشكرا من أجل محبتك.

اعطينا البركات السماوية

ونرفع أعيننا إليك وإيماننا فيك يزيد.

نشكرك لأن دم المسيح يطهر خطايانا. أنت هو إلهنا الحي

نأتي إليك لكي تباركنا وتلمس وتختبر قلوب، لكي تعرف حاجة كل واحد فينا

بارك كنيستك لكي تكون المنارة في العالم وتجعلها مثمرة

باسم فادينا يسوع المسيح، أنت سيدنا أبونا ملك الملوك ورب الارباب

نحن نمجد شخصك. سود علينا ولتمسح دموعنا

اعطينا قوة لكي نعرف أكثر أكثر ولتجعلنا ملح الأرض ونور للعالم.

أنت في وسطنا ونحن في امتياز لأنك أنت تتكلم معنا، وأنت تكون فينا.

ربي إلهي استجب لكل صلاتنا وأعمل في حياتنا. وأعطينا قوة من عندك. في اسم يسوع نصلي. آمين.



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6