العائلة السعيدة


العائلة السعيدة

الدكتور أبو دورام

 

في يوم من الأيام سألت سؤال في إحدي الكنائس التي كنت أعظ بها، يا ترى مَن فيكم يعتبر نفسه أسعد شخص في العالم؟ وانتظرت لحظات، وقلت أسعد شخص يرفع يده، ولكن للأسف ولا واحد رفع يده.

وأنا اليوم أسالكم مرة أخرى هل تعتبر نفسك أسعد شخص في العالم؟ هل أنت شخص تتمتع بالسعادة الحقيقة التي لا يتمتع بها أي شخص آخر في هذا العالم؟

 

كلنا نريد أن نعيش بالسعادة والفرح ولكن ليس سهلاً في الإجابة على هذا السؤال(ما هي السعادة؟)لقد عملت مجلة في كوريا الاستبيان عن ما هي السعادة. وحوالي 90 % من الأشخاص كانت إجاباتهم على هذا الاستبيان قالوا: إن السعادة موجودة في العائلة السعيدة، والباقي قالوا: أن السعادة موجودة في إنجاز العمل وامتلاك الثروة وامتلاك المبانيء وفي الشرف والوظيفة.

 

ذلك تعالوا بنا اليوم نقرأ من كلمة الرب الحية والمُغيرة لحياتنا من سفر المزامير(مز117: 1ــ5)لنجد الجواب المناسب للسؤال أين توجد السعادة الحقيقة؟

إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلاً يَسْهَرُ الْحَارِسُ. بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى الْقِيَامِ، مُؤَخِّرِينَ الْجُلُوسَ، آكِلِينَ خُبْزَ الأَتْعَابِ. لكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا. هُوَذَا الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، ثَمَرَةُ الْبَطْنِ أُجْرَةٌ. كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ، هكَذَا أَبْنَاءُ الشَّبِيبَةِ. طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جَعْبَتَهُ مِنْهُمْ. لاَ يَخْزَوْنَ بَلْ يُكَلِّمُونَ الأَعْدَاءَ فِي الْبَابِ.

 

يا أحبائي، لابد أن نعرف حقيقة الأمر وهو قد تكون ناجح في عملك ولكنك إذا كنت غير سعيد في عائلتك فتكون حياتك غير سعيدة.  فالحياة العائلية مهمة جداً لأن العمل ليس كل شيء ولكن في أشياء أخرى نحتاجها مع العمل.

فمثلا العمل اليومي يبتديء من العائلة وينتهي في العائلة والعائلة هي ملجأ الراحة وهي أيضا مأوى السعادة والمحبة ولكن من هي العائلة التي تتمتع بالسعادة والمحبة، هل هي العائلة الغنية مادياً؟ هل هي العائلة التي تأكل أفخر أنواع الطعام؟

الكتاب المقدس يقول إن البيت الذي فيه أكلة من البقول ومعها سلامة خيراً من بيت ملأن بالذبائح ومعه خصام. فالعائلة التي تتمتع بالسعادة والمحبة هي العائلة التي فيها يسوع.

 

ولكن أحياناً يكون هناك صراع بين والوالد وأولاده، وقد يكون خصام بين الزوج والزوجة، وقد يكون هناك مشاجرة بين الأخوة والأخوات. فالسؤال كيف نبني عائلة سعيدة في وسط كل هذه المشاكل؟ تعالوا بنا نكتشف الأمور المهمة عن العائلة من خلال كلمة الله التى وردت في سفر(مز127: 1ـ5) لكي نعرف من هي العائلة السعيدة؟ أو ما صفات العائلة السعيدة؟ 

أولا: العائلة السعيدة لأن الرب هو سيدها.

(مز127: 1) إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ.  لقد أسس الله الزواج في جنة عدن كأول عهد بين الإنسان والإنسان(تك2: 24) لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وعندما يقبل أحد الزوجين يسوع مخلص ورب على حياته يصير الله شريكاً في هذا الزواج(1كو7: 14) لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ.  وخلق الله الزوج والزوجة ليتمتع كل واحد بالآخر وليكملا الآخر.

كثير من الناس يتزوجوا اليوم، ويفشلوا في فترة قصيرة بعد الزواج،  أي ينفصل الزوج والزوجة. الحياة العائلية لا يمكن أن تسير كما يريد  كل من الزوج والزوجة والسبب ما قاله الرب في(مز127: 1)" إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلاً يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. عندما يكون الرب سيد العائلة هو يحفظها من خراب العائلة. الرب بنى ثلاثة مؤسسات لأجل الإنسان وهي:

1)      العائلة وهي للحياة الأفضل

2)      الكنيسة وهي لخلاص الخطاة

3)      وملكوت الله وهو للحياة الأبدية.

وهذه المؤسسات التي مصدرها الله مرتبطة بعضها البعض. فالعائلة تكون الكنيسة لأن الكنيسة هي مجموعة من المؤمنين والمؤمنات، كيان حي وليس مبنى. والكنيسة تكون مثال ملكوت الله فالكنيسة فيها محبة وفرح وشركة، والعائلة تكون نموذجاً لملكوت الله وهذا النموذج يكون كنيسة بيتية متحركة. وفي البيت وفي الكنيسة الرب هو الباني لهذه المؤسسات الثلاثة، ورأسها هو المسيح وهو يسود عليها لأن المسيح افتدى الكنيسة بدمه. إذن العائلة مفدية بدم المسيح.

 

لو لم يكون المسيح غير موجود فهذا  يعني أن الملكوت ليس ملكوت الله حقيقياً. لو لم يوجد الرب إلهنا في الكنيسة فتكون هذه الكنيسة مجرد مؤسسة اجتماعية، فلو الرب غير موجود في العائلة فهذه العائلة يكون فيها خصام ونزاع وتشاجر وشكوى. والرب يسوع وضع أهميته في العائلة فبدأ معجزته في عرس قانا الجليل، وعندما يكون ربنا سيد العائلة فتكون هذه العائلة نموذجا لملكوت الله.

 

في أمريكا كان شخص اسمه مودي وبيته احترق كله بالنار وسأل أحد أصدقاء مودي "كيف تعيش بدون بيتك؟ فأجاب مودي: "يا أخي لدي أهم شيء لم يحترق بعد، وهو يسوع المسيح وهو دائما معنا وهو موجود في عائلتي وهو الباني لعائلتي.

إذن أريد أن أسألك سؤالاً: " ما الأساس الحقيقي الذي تعتمد عليه عائلتك؟ طبعا. يسوع المسيح هو القوة الجذابة في مركز العائلة لأنه يربطنا معا رباطاً روحياً. هل الرب بنى بيتك وهو سيد لعائلتك؟

 

ثانياً: العائلة السعيدة لأنه توجد محبة في وسط أفرادها

محور العائلة هو الزوج والزوجة، والقوة الفريدة في الحياة الزوجية ليست هي قوة الرجال ولا قوة دموع النساء بل هي المحبة لبعضنا البعض. فلا توجد السعادة في العائلة بدون تضحية من الطرفين في المحبة.

 

الآن كيف يبدأ الزوج بتضحيته من أجل أن تكون العائلة السعيدة؟

1)      يجب أن لا تسيطر على زوجتك، فهي ليست كباقي الأشياء التي يتملكها بل هي شريكة معك.

2)      تستمر المحبة من بداية الزواج حتى آخر لحظة من العمر.

3)      لا تجعل زوجتك تشعر كأنها أرملة في العطل والمناسبات

4)      لا تقارن زوجتك بالزوجات الأخرى فتقتل محبتها في قلبك.

5)      لا تنقل حزنك الى بيتك لأن العائلة ليست مستشفى وسعادة زوجتك تعتمد على ابتساماتك.

6)      لا تكبر نفسك أمام زوجتك لأنها تعرف كل شيء عنك.

7)      لا تكون معلما لزوجتك كأنك الأفهم منها لأن كل واحد منكم يكمل الآخر.

8)      لا تخفيء سراً على زوجتك لأن المحبة لا تظن السوء لأن المحبة تبني الثقة على أساس الصراحة بينك وبين زوجتك.

لو كل زوج يطبق هذه الأشياء في حياته سوف يحصل على العائلة السعيدة.

الآن كيف تبدأ الزوجة بتضحيتها من أجل أن تكون العائلة السعيدة؟

1.      زينة المرأة هي الحكمة في بيتها لأن الحكمة أفضل من كل المجوهرات، والملابس الفاخرة.

2.   أن تكون مستعدة على أن تعمل كل الواجبات بكل محبة وسرور بدون تذمر. وتهتم في المبدأ الأول بما يحبه زوجها والعائلة. والمائدة المكان الذي يبدأ منه الشركة والتفاهم بين العائلة ولا تجلب النكد للبيت.

3.      لا تنتقد زوجها أمام الآخرين.

4.      تبحث عن الوقت المناسب الذي تحكي فيه مشاكلها لزوجها.

5.      تطيع رأي زوجها في الأمور المهمة

6.      تخدم زوجها كملك وهي تكون ملكة في بيتها.

7.      تدبر شؤون المنزل حسب دخل الأسرة الشهري.

8.      أن تكون صبورة لأن الصبر ينتج رجاءاً جديداً.

9.      تفتش عن المزايا الحسنة التي تعتبر نقاط القوة لدى زوجها. وتشجعه حتى يكون مستمرا فيها.

لو كل زوجة تطبق هذه الأشياء في حياتها سوف تحصل على الحياة الزوجية الأفضل.

ثالثاً: العائلة السعيدة هي التي تعرف كيف تربي أولادها

(مز127: 3) هُوَذَا الْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، ثَمَرَةُ الْبَطْنِ أُجْرَةٌ.  من خلال هذه الآية الرائعة يعتبر أولادنا ميراث من عند الله وعطية من الله لأن الأولاد إكليل الوالدين. كيف نربي أولادنا؟

أولا: نربي أولادنا كرجال لله. الله أوكلنا على أولادنا وعندنا مسؤولية في تربيتهم ونحن نربي أولادنا كرجال لله. وليس أولادنا ملكنا، بل نحن وكلاء عليهم لأن الله هو الذي اشتراهم بدم يسوع المسيح.

ثانيا: نربي أولادنا ونباركهم بالصلاة. البعض يضرب أولاده وخاصة الأولاد الصغار مع العلم هذه طريقة سيئة في التعامل معهم، من المفروض أن نؤدبهم بطريقة صحيحة وهي التفاهم بدون غضب، وخاصة عندما يكبر الأولاد لا ينفع معهم أسلوب الضرب لأنهم لا يسمعوا لنصائحنا أو كلامنا. يمكن إن أولادنا يتظاهروا أنهم يسمعوا الكلام ولكنهم لا ينفذوا الكلام.

ما المطلوب منا كآباء وأمهات؟ لابد أن ننقل قلب الله الآب لأولادنا من خلال قلوبنا لكي نعكس صورة قلب الآب السماوي لأولادنا من خلال معاملاتنا وتصرفاتنا ومحبتنا وبهذه الطريقة نجعلهم أن يحبوا الله الآب أكثر، وبالتالي لا نجعل صورة الله الآب مشوهة عندهم. فنحن ننقل قلب الله الآب لأولادنا من خلال قلوبنا نحوهم.

 

إذا كنت مؤمن حقيقي ينبغي أن تصلي لأجل أولادك يومياً. هناك أمثلة في الكتاب المقدس كانت تصلي لأجل أولادها فمثلاً إبراهي صلى لأجل أبنه إسحاق، وإسحاق صلى لأجل أبنه يعقوب، وأنت ينبغي أن تصلي لأجل أولادك وأولادك يصلوا  لأجل أحفادك فمثلاً قال عيسو لأبيه: "باركني أنا أيضا يا أبي"(تك27: 38) لأن يعقوب أخذ البركة من عيسو أخيه، وأيضاً أخذ بكوريته لماذا أخذ يعقوب بكورية عيسو؟ لأنه يريد أن يأخذ بركة من أبيه. لابد أن كل مؤمن اليوم يبارك أولاده قبل أن يخرجوا من بيوتهم.

ثالثاً: نربي أولادنا لكي يكونوا سبب بركة

كل الناس تريد أن يكونوا ناجحين في هذا العالم سواء في العمل أو أن يكون لديهم أموال كثيرة. قال الرب لأبرام: أجعلك أمة عظيمة أباركك وأعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك ومباركوك مباركين. والعظمة والبركة هما عطية من الله لنا نحن أولاده.

أرجو أن لا تقول لأولادك: أنا أحب أن تكون رجلا كبيرا في الحكومة أو الشركة، ولكن قل له: أنا أحب أن تكون سبب بركة للآخرين.

رابعاً: على الوالدين أن يكونوا هم قدوة لأولادهم

الآباء والأمهات مثل كتاب مدرسي لأولادهم، لأن أولادنا في كل يوم يروا سلوك وعمل الآباء والأمهات الذي يمجدوا الله من خلاله، والحياة العائلية السعيدة هي حياة الايمان العاملة بالمحبة.



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6