الاحتياجات الروحية


الاحتياجات الروحية

الدكتور أبو دورام

 

نجد في هذه الأيام إذا أراد أي شاب أن يصل إلى أعلى منصب سواء في مؤسسة أو في شركة، عليه أن يتعهد بأن يكرس نفسه تماما لهذه المؤسسة أو الشركة. وعليه أيضاً أن يعمل بكل قوته يومياً لمدة ثماني ساعات أو أكثر طوال فترة العمل سواء كانت خمسة أو ستة أيام في الأسبوع. وهذه المؤسسة تطلب من الشاب أن يأكل وينام ويتنفس رؤيتهم.

في وسط هذه المنافسة تأتي دعوة يسوع المسيح. قال يسوع في(لو9: 24) وَقَالَ لِلْجَمِيعِ:«إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. إن يسوع اليوم وفي كل الأوقات يطلب تلاميذ له، وهو لا يطلب مجرد مؤمنين يوم الأحد فقط. فإذا كنت عضواً في الكنيسة فأنت تحتاج أن تكون تلميذ يسوع ولكي تكون تلميذ له فهو يطلب منك أن تنمو في الثلاثة المجالات التالية وهي: قابليتك للتعليم، التدريب اليومي في كلمته، ويناء شخصيتك.

 

نحن نعرف أن التعليم بأنه يمنح المعرفة والتدريب وكون الشخص لديه المهارات والبناء هذا يُعني بناء شخصيته.

دعونا نقرأ اليوم من كلمة الرب الحية التي تغير وتبني شخصيتنا من إنجيل(يو4: 1ـ30)فعنوان موضوعنا بناءً على هذا المقطع الكتابي هو{{ الاحتياجات الروحية}}.

أولا، الله عنده خطة لكل واحد منا.

نجد في(العدد4)وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. يا ترى لو عندنا مؤسسة وفيها موظفين هل نهتم بالمؤسسة أم بالاشخاص؟هل فيها بالأشخاص الذين نعرفهم فقط؟ هل نهتم بالبرامج أم بالأشخاص؟ الله أعطانا رؤيته. إذن ما هي رؤية يسوع المسيح في السامرة؟ يسوع الرب عرف مشيئة الآب لذلك يقول الكتاب المقدس عن يسوع في(العدد4) وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. يا ترى لو أنت مكان يسوع هل تقول: لابد أن تجتاز هذه المنطقة الصعبة في خدمتك؟ أم هل تمنع الخلافات والاختلافات الدينية، والصعوبات الثقافية وصولنا إلى النفوس المحرومة من يسوع المسيح؟    

 

في وقت يسوع المسيح كانت هناك ثلاثة حواجز بين اليهودي والسامرية وهي:

1)    كما قالت المرأة السامرية في(العدد9) «وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟»

2)    أنت رجل وأنا  امرأة

3)    أنت شخص صالح وأنا امرأة خاطئة

كان تصرف يسوع بسبب وجود نفس محتاجة في السامرة. مِن الواجب علينا أن لا نهتم بمبنى الكنيسة، أو بالمؤسسة، أو بالبرامج فقط بل نهتم بالأهم وهو الأشخاص، وكذلك يجب علينا أن نعرف ونفهم احتياجات الذين من حولنا ونسددها. فالرب يسوع دائماً يهتم كثيراً بحالة الشخص، لا بما يستطيع هذا الشخص أن يفعله.

فاختار يسوع المسيح هذه الطريقة الى السامرة لكي يصل الى الشعب المحتاج والمحتقر والمنبوذ من اليهود. لذلك نستطيع أن نستنتج أولوية يسوع في حياته هي الأمور الروحية التي يحتاج إليها الشخص.

يا ترى ماذا تفعل إن كنت تلميذ ليسوع المسيح وتقوم بعمل الكرازة للناس المحرومين والمحتاجين ليسوع؟ ماذا ستكون أولوياتك في الخدمة تنقذ الناس من الموت الروحي؟ أم تخدم بين المؤمنين فقط؟ دعني أقول لك في هذا اليوم إذا كنت تعمل فقط وسط المؤمنين فسوف يكون الربح لملكوت الله صفر.

 

حول يسوع حديثه في(العدد10) من الماء الحرفي الى الماء الروحي: أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا».  والماء الذي وضحه يسوع المسيح للسامرية هو الماء الروحي. كما مرة كان كلامنا بدون فائدة للناس؟ وكم مرة كان حديثنا عن شخص يسوع المسيح؟ فيسوع كان يشير إلى الماء للروح القدس الذي يبكت النفوس لكي تتوب وتقبل شخص الرب يسوع المخلص(لو19: 10).

(يو4: 14) وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».  يسوع يقول للسامرية الماء الذي في البئر لا يروي قلبك ولكن عندي الماء الحقيقي الذي يشبع قلبك وحياتك.  يسوع مهتم بخلاص الرجال والنساء من الخطية ومنحهم ماء الحياة الأبدية، يا ترى ما هي اهتماماتنا؟ هل نهتم بخلاص النفوس أم تسديد احتياجاتنا الأرضية؟

ثانياً: نمو إيمان المرأة السامرية تدرجياً.

1)    المرأة تقول ليسوع في(العدد11) "مَن أنت!" لكي تأتي بالماء الحي "فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟

2)    ولكن يتغير كلامها في(العدد15) قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ» أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ».

3)    ويتطور كلامها أكثرفي(العدد19) «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! »

4)    تعلن كلامها في(25) «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي».

5) النتيجة لكلامها يسوع يعلن نفسه لها(العدد26) «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ». أنه يسوع وحده الذي يستطيع أن يعطي هذه العطية المجانية "ماء الحياة الأبدية" لأنه حقاً هو مصدر ومعطي الماء الحي.   

يا أحبائي، نلاحظ من خلال الحديث مع شخص الرب ينمو إيمان المرأة السامرية وتعترف أن الرب يسوع هو المسيح. كيف ينمو إيماننا؟ عن طريق الحديث مع الرب. وكيف يتحدث معنا الرب اليوم؟ عن طريق الصلاة وقراءة الكلمة لأن القطار الصاعد هو الصلاة وأما القطار النازل فهو كلمة الله. كما يجوع الجسد ويعطش كذلك الروح. حاجة الروح الإنسانية إلى الطعام والماء الروحي، والمرأة  والمرأة السامرية جاءت لتستقي ماء، وتلاميذ يسوع ذهبوا ليشتروا بعض الطعام. أما يسوع فبدلا من أن يهتم بإشباع حاجته الجسدية فإنه أوجد من احتياجه فرصة للشهادة.

في(العدد34)يحاول يسوع مجددا الآن تحويل عيون تلاميذه عن الأمور المادية إلى الأمور الروحية. يسوع طعامه هو أن يعمل مشيئة الآب، وأن يكمل العمل الذي كان الآب قد أوكله إليه. إذا كنا نحن لا نحرم جسدنا من الأكل أو الماء عندما يجوع أو يعطش فلماذا إذن نحرم الروح من شخص الله؟

 

إن يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسد الذي جاء لكي يعطي الحياة، والكتاب المقدس هو كلمة الله المكتوبة، فيسوع وحده القادر أن يشبع ويروي نفوسنا. ولكن لا ننسى النقطة المهمة التي قالها الرب يسوع للسامرية في(العدد16) قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا». لماذا وجه يسوع هذا السؤال لها؟ لأن احتياج هذه المرأة أن تقر بأنها خاطئة قبل أن تحصل على اختبار الخلاص. كذلك نحن إن لم يعترف كل واحد بخطاياه الآن أمام الرب لا تتقابل مع الرب لن يستطيع أن يختبر خلاصه العجيب لأن الخلاص يبدأ عندما نعترف بخطايانا قدام الرب ونتوب عنها ونتركها.

 

من الذي يعرف أنك شخص هالك وتحتاج إلى خلاص الرب يسوع؟ أنت وحدك فقط تستطيع وحدك أن تختبر الخلاص. فجميع الناس هالكون، لكن جميع الناس ليسوا على استعداد لقبول خلاص الرب يسوع المقدم لهم. لذلك يجب علينا أن نذكر الناس عندما نكلمهم عن يسوع بأنهم خطاة يحتاجوا لغفران خطاياهم ويحصلوا على ذلك عندما يتوبوا ويقبلوا عمل يسوع لأجلهم(يو3: 16) لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.

وبعد أن اختبرت هذه المرأة الخلاص في حياتها تركت الأمور التي لها بالغ الأهمية في حياتها قبلاً ومضت إلى المدينة وصارت تعلن عن يسوع وتقول(يو4: 28) فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟».

والنتيجة لإعلانها عن يسوع للناس(يو4: 30) فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. كل شخص يختبر خلاص يسوع لابد في الحال أن يفكر في الآخرين الذي هم في حاجة إلى ماء الحياة. لقد أثبتت شهادة هذه المرأة فعاليتها. وذلك لأن سكان تلك المدينة تركوا بيوتهم وأعمالهم إذ خرجوا إلى يسوع الذي غير هذه المرأة. والسامرية حركت قلوبهم بحديثها بالرغم من بساطة شهادتها. إذا تغيرت أولوية المرأة السامرية من أمور جسدية الى أمور روحية.

ثالثاً: نعبد الرب بحسب البعد الروحي الجديد.

يقول يسوع للسامرية في(العدد22) أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ. لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ.  يسوع هو الحق وهو الطريق والحيد للآب، فالعبادة بالحق تعني عبادة الله من خلال يسوع، والعبادة بالروح عبادة بحسب البعد الروحي، هل نحن نسجد للرب بالروح والحق في كل حين؟ أو هل نعبد الرب يوماً واحداً ونترك بقية أيام الأسبوع؟ إذن قبل أن تأخذ مسؤولية في الكنيسة، لابد أن تأخذ صفات معينة من الرب لكي تكون مشابهاً صورة ابنه.

أولا: لا تحرم روحك نمن الحاجة الروحية كما أنك لا تحرم حاجتك الجسدية.

ثانيا: أوجد من احتياجاتك الجسدية فرصة للشهادة.

ثالثا: اعترف بخطاياك لكي تتقابل مع الرب ويعلن لك ذاته في حياتك.

رابعا: لا تنس أن النبع يفيض باستمرار ليس في هذه الحياة فحسب، بل في الأبدية أيضا.

خامسا: لتكن أسلوب حياتك عبادة حية مرضية عند الرب.

 



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6