بين " يوم الحسم" و"يوم النصر"


 

بين " يوم الحسم"  و"يوم النصر"

Between “D(Decisive) Day” and “V(Victorious) Day

القس جون كوري إبراهيم  

متى 22:12-37

"حينئذ أُحضر إليه مجنون أعمى وأخرس. فشفاه حتى إن الأعمى والأخرس تكلم وأبصر. فبهت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود. أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين. فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وكل مدينة أو بيت مننقسم على ذاته لا يثبت. فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد إنقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته. وإن كنت ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون. لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله. أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولاً. وحينئذ ينهب بيته. من ليس معي فهو عليَّ ومن لا يجمع معي فهو يفرق. لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس. وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي. اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها ردياً لأن من الثمر تعرف الشجرة. يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار. فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور. ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان.

......................................................................................

خلال الحرب العالمية الثانية (حصلت عملية عسكرية مشهورة سُميت بعملية ساحل بحر النورمندي) كانت هناك عملية تُسمَّى بعملية ساحل بحر "النورْمَنْدي" الذي قام بتنفيذها جيوش الحلفاء ضد الجيش النازي. وخلال هذه العملية كانت جيوش الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تضرب الجيش الألماني ضرباتٍ قاتلة ومُميتة. ولم يكن في استطاعة المستشار الألماني "هِتْلَرْ" مساعدة جيشه الذي كان قد أرسله لكي يحتل عدداً كبيراً من الدول، وذلك لأن طرق الإمدادات كانت قد قُطِعَت من قبل جيوش الحلفاء. وبكلماتٍ أُخرى نستطيع أن نقول بأن "هتلر" قَدْ رُبِطَ أو قُـيِّدَ. لذلك من الناحية التاريخية نسمّي اليوم الذي بَدَأَت فيه جيوش الحلفاء بتنفيذ عملية ساحل بحر النورمندي بـ"يوم الحسم"، لأنه كان اليوم  الذي خسر فيه المستشار الألماني "هتلر" المعركة وجعلته يخضع ويركع فيما بعد. كذلك يُدعى اليوم الذي رفعت فيه جيوش الحلفاء أعْلاَمها في برلين بـ"يوم النّصر".

وعندنا نحن في كوريا حدثت عملية مماثلة لعملية ساحل بحر "النورمندي". إذ كانت كوريا الجنوبية تُعاني من الحرب الأهلية. وفي ذلك الوقت  احْتَلَّتْ كوريا الشمالية بلادنا، أي كوريا الجنوبية. وبعد ذلك قام الجنرال الأمريكي (ماك آرثر) قائد قوات الحلفاء قد قام بعمليّات إنزال في ميناء "إنْـتْشُونْ" في كوريا الجنوبية. وخلال عمليّات الإنزال هذه كان جنود كوريا الشمالية الموجودين في ميناء "إنْـتْشُونْ" قد تلقّوا ضربات مميتة، وذلك لأنَّهُ تَمَّ قَطْع طرق الإمدادات لجيش كوريا الشمالية بقيادة  الرئيس"كيم إيل سونغ". وبكلماتٍ أُخرى نستطيع أنْ نقول أنّ رئيس دولة كوريا الشمالية قد رُبِطَ أو قُـيِّـدَ أيضاً. ونستطيع أن نُسَمِّي اليوم الذي بدأت فيه عمليات الإنزال في ميناء إنْـتْشُون  بـ"يوم الحسم" أيضاً. وفي هذه الأثناء يمكننا أنْ نَتَمَعَّن في موقف جنود كوريا الشمالية الذين كانوا مُخْتبئين في جِبال كوريا الجنوبية. إذ كانوا ينزِلون في الليل ويَقْـتُـلُونَ أو يُسَبِّبون مشاكل لشعب كوريا الجنوبية. ولكي يتم تَقْيِيدَهم أو قتلهم مِنْ قِبَل جيش ورجال أمن كوريا الجنوبية، فقد كان ذلك يستلزم بعض الوقت. وكان من الخطر جداً محاولة  قَتْلهم أو تقييدهم إذ كان ذلك يؤدي إلى موت بعض أفراد جيش ورجال أمن كوريا الجنوبية. ولكن يجب علينا هنا أنْ نتذكر شيئاً واحداً وهو أنَّ الجنرال الأمريكي "ماك آرثر" لم يكن عليه أنْ يقتل هؤلاء  الجنود الكوريين الشماليين، فقد تَرَكَ هذا الأمر لجيش ورجال أمن كوريا الجنوبية، لأنه رَبَطَ أو قَيَّدَ رئيس كوريا الشمالية، الذي لم يكن في استطاعته أنْ يَعْمَلَ أيَّ شيءٍ لأجل جنوده الموجودين في كوريا الجنوبية. وعلى أَيَّةِ حالٍ، ففي الوقت المناسب رفعت كوريا الجنوبية عَلَمها فوق مبنى المجلس الكوري في العاصمة "سيئول"، ونُسمّي ذلك اليوم بـ"يوم النصر".

إخوتي وأخواتي، علينا أنْ نتذكَّر هذَيْنِ اليَوْمَيْن وأنْ نقارنَ فيما بينهما : اليوم الأول هو "يوم الحسم" واليوم الثاني هو "يوم النصر". إنّ ربّنا يسوع المسيح جاء لأوّل مرة إلى عالمنا قبل حوالي ألفي سنةٍ، وربط الشيطان، ومن ثم فإن أتباع الشيطان (أي الأرواح الشريرة) أصبحت حالتهم مثل حالة الجنود الألمان بعد عملية "النورمندي"، وأيضاً مثل حالة جنود كوريا الشمالية بعد عملية الإنزال في ميناء "إنْـتْشُون". ويسمّي علماء اللاهوت المجيء الأوّل لسيوع المسيح بـ"يوم الحسم". والمجيء الثاني يُسمّونه بـ"يوم النصر". ومن قراءتنا اليوم لإنجيل متى12: 22 - 37، نستطيع أن نفهم ذلك.

فنجد في العدد 22 "حينئذ أُحْضِرَ إليه مجنونٌ أعمى وأخرس فشفاهُ حتى إنَّ الأعمى الأخرس تكلَّمَ وأبصر"، نجد أنَّ يسوع طرد الأرواح الشريرة (الشياطين) من الرجل الأعمى الأخرس وشفاه". وماذا كان رد فعل الجمهور الشاهد على عجائب يسوع؟  نجد ذلك في ع 23 :"ألعل هذا هو ابن داود". لقد كان اليهود يتوقعون وينتظرون الملك الجديد (أي المسيح) الذي سيأتي ويعيد تأسيس مملكتهم. ولكنهم كانوا يعرفون بأنّه عندما يأتي ليُعِيد تأسيس مملكتهم، سوف يشفي العُمي والصُّم والخُرس ويحرِّرهم لكي يستطيعوا أن يُبصروا ويسمعوا ويتكلموا، لهذا قالوا :"ألعلّ هذا هو ابن داود؟" وإذ سمع  الفرِّيسيون ما قاله الشعب، ابتَدَأُوا يَقْلَقون، لأنه فيما لو أصبح يسوع ملكاً لليهود، فسوف يخسرون مناصبهم وخدمتهم. وإذْ لم يستطيعوا أنْ يَغُضُّوا النظر عن المعجزات التي صنعها يسوع. حاولوا أن يُقنعوا الشعب بأنّ يسوع هو ليس ابن داود، وذلك بقولهم في العدد 24: "هذا لا يُخْرِجُ الشياطين إلاّ بِبَعْلَزَبُول رئيس الشياطين". وأرجو أن نلاحظ أن الأسماء "بعلزبول" و"إبليس" و"الشيطان" و"التنين" و"الحيَّة القديمة"، كلَّها أسماء جاءت في الكتاب المقدَّس وهي تُعبِّرّ عن شخصيَّة واحدة وهي "إبليس" رئيس الأرواح الشريرة (أي رئيس الشياطين).

يوجد في العالم أحزاب سياسية عديدة. ويوجد لكل حزب، رئيس يمثل ذلك الحزب، ويوجد أيضاً رؤساء وسيطون بين رئيس الحزب وبين أعضاء الحزب. هؤلاء الرؤساء الوسيطون لديهم سلطة من قبل رئيس الحزب أن يأمروا أعضاء الحزب لكي يُديروا شؤونه. وعلى أية حال، فقد كان فكر الفريسيين عن يسوع بأنه رئيسٌ وسيط في مملكة الشيطان. وبالطبع الفريسيون لم يتكلموا بهذا الكلام ليسوع بل للشعب قائلين: هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين.

بماذا أجاب يسوع عندما علم أفكار الفريسيين؟ "كل مملكة منقسمة على ذاتها تُخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت. فإنْ كان الشيطان يُخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته؟"(ع 25، و26)  نجد أنّ الشخص الأعمى الأخرس كان مجنوناً أي فيه شيطان. وهذا يعني أنه كان أسيراً في مملكة الشيطان. ومن أجل أنْ يُـثَـبِّتَ الشيطان مملكته فقد نظمها تنظيماً جيداً. إذ تحتوي على مَناصِب مختلفة ابتداءاً مِنْ أعلى منصب، الذي يشغله الشيطان (إبليس) رئيس المملكة، وانتهاءاً بأدنى المناصب التي يشغلها أجناد الشَّرِّ الرُّوحيَّة. ونستطيع أن نلاحظ بعض المناصب الموجودة في مملكة الشيطان، وذلك من رسالة أفسس 6: 12 "فإنّ مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات." وهكذا نرى أنَّ الشيطان لا يمكن أنْ يخرج الشيطان لأنه بذلك يخرِب مملكته بنفسه.

 

لقد أوضح يسوع للفريسيين بأنّ إخراجه للشياطين من الشخص المجنون لم يكن بواسطة بعلزبول(رئيس الشياطين). وقبل أن يجيبهم يسوع عن كيفية إخراجه للشيطان، نجد أنه استمرّ يجيبهم بصورة منطقية قائلاً في ع  27:"وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤُكُم بِمَنْ يُخْرِجُون. لذلك هم يكونون قٌضاتكم."  لقد كان بعض الفريسيين أَتْقِياء فاستخدمهم الله في إخراج وطرد الشياطين. لذلك كَأَنَّ يسوع أراد أنْ يوضِّح للفريسيين ويقول لهم: إذا كان أبناءكم يخرجون الشياطين مثلما أنا أعمل، فَهُم أيضاً، بحسب قولكم، يُعتبرون رؤساء وسيطون في مملكة الشيطان، لذلك هم يكونون قضاتكم.

إذاً، إذا لم يكن يسوع يُخرج الشياطين بواسطة بعلزبول رئيس الشياطين، فبماذا كان يخرجهم؟ ع28: "ولكن إن كنتُ أنا بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله".  إذاً كان يسوع يُخرج الشياطين بروح الله، وليس ببعلزبول.

 

إخوتي وأخواتي، ماذا نستنتج أيضاً مِنْ قَوْل يسوع في ع 28: "ولكنْ إنْ كنتُ أنا بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبلَ عليكم ملكوت الله"؟ نرى بأنّ يسوع يوضِّح للفريسيين، وكأنَّه يريد أن يقول لهم: طالمَا أنا أُخرج الشياطين بواسطة روح الله، فكنتيجة لهذا العمل، قد أقبلَ عليكم ملكوت الله.

إذاً، حينما قال يسوع للفريسيين"قد أقبل عليكم ملكوت الله"، فهذا معناه أنه قد أقبل عليهم سلطان أو نفوذ لـمملكة جديدة هي مملكة (أو ملكوت) الله. وإذا كان الأمر كذلك، ففي أيَّةِ مملكةٍ كان الشعب والفريسيين قبل ذلك؟ لقد كانوا في مملكة الشيطان. وهل هذا يعني بأنه ليس هناك فرق بين الشخص المجنون الأعمى الأخرس وبينهم(أي الشعب والفريسيون)؟ نعم، هذا ما قصده يسوع بالضبط. صحيح أنّ هذا الشخص أصبح أعمى وأخرس بالجسد، وذلك لأنه كان مجنوناً بسبب الشيطان. وصحيح أنّ هذا الشعب والفريسيين أيضاً لم يكونوا عمياناً وخُرساً بالجسد، ولكنهم كانوا كذلك روحياً، لأنهم كانوا تحت سلطان الشيطان وفي مملكته. بكلمات أخرى، هم أيضاً يُعتبرون  أسرى في مملكة الشيطان أو مجانين روحياً. لقد اعتبر يسوع جميع اليهود الذين كانوا ضدَّه أبناء إبليس (الشيطان) كما جاء في إنجيل يوحنا 8: 44، 47 "أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا .... الذي من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله".  وهذا ما لاحَظْناه أيضاً سابقاً مع نيقوديموس الذي لم يَسْتَطِعْ أنْ يرى ويدخل ملكوت الله لأنه كان أيضاً أسيراً في مملكة الشيطان (إنجيل يوحنا 3: 1-15). لقد أحضروا إلى يسوع هذا الشخص المجنون الأعمى الأخرس على أساس أنه وحده فقط يعاني من هذه المشكلة. ولكنْ في الحقيقة كانوا جميعهم في نظر يسوع يُعانون أيضاً من نفس المشكلة، أي جميعهم عُمي وخُرس ومجانين وأسرى في مملكة الشيطان. لذلك يسوع قد تعامل معهم بهذا المفهوم.

لقد كان يسوع يتكلم عن مملكتين: الأولى (في العدد 26) مملكة الشيطان والثانية(في العدد 28) مملكة الله. وفي الحقيقة علينا أن نفهم لماذا قام يسوع بطرد الأرواح الشريرة(الشياطين) من الإنسان الأعمى الأخرس. بالطبع لقد قام يسوع بذلك لكي يشفيه فَيُـبْصر ويسمع، ولكن ليس ذلك فقط. ففي العدد 28  أيضاً يُـبَـيِّـن لنا يسوع أنه قام بإخراج الشياطين من هذا الشخص، لكي يُدْخِلَه (أو يَضُمَّه) أيضاً إلى(أو تحت سلطان وسيادة) ملكوت الله:"ولكنْ إنْ كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله".

نعم، لقد جاء يسوع  إلى أرضنا ليس فقط لكي يشفي العمي والخرس بالجسد بل بالروح أيضاً لكي يروا ويدخلوا ملكوت الله الذي أقبلَ عليهم. أي جاء يسوع إلى هنا لكي يدعو أيضاً وينقُل ممتلكات الشيطان، الموجودة في مملكة الشيطان، إلى مملكة الله. إذْ كان هذا الإنسان المجنون الأعمى الأخرس أسيراً في مملكة الشيطان فحرّره يسوع وشفاه لِيُدْخِلَه مملكة الله.

 

إخوتي وأخواتي، الآن نحن نتحدث عن وجود نزاع شديد بين مملكة الشيطان ومملكة الله. فمملكة الشيطان تحاول الاحتفاظ بممتلكاتها(أي الناس الذين هم أسرى عند الشيطان)، وأما مملكة الله فهي تحاول خَطْف أو نَهْب هذه الممتلكات لتحتفظ بها. وهذا واضح من العدد 29:"أم كيف يستطيع أحدٌ أن يدخل بيت القوي وينهب أمْتِعَـتَـهُ إنْ لم يربط القويّ أولاً، وحينئذٍ يَنْهَبُ بيته". نحن نعرف لماذا دخل السارق بيت القوي. ليس لكي يحب الشخص القوي ويحتضنه ويصادقه، ولكن لكي يأخذ ممتلكاته.

 

ونلاحظ هنا (في ع 29) أنَّ يسوع قد عبّر عن نَفْسِهِ بتعبير "الـنّاهب"، وعن الشيطان بأنَّه "القوي". وأيضاً عبّر يسوع عن مملكة الشيطان بـ"بيت القوي"، واعتبر جميع نسل آدم بأنهم "أمتعة القوي" أي ممتلكات الشيطان. لأننا نعرف بأنَّ آدم كان قد خُلق على صورة الله، ولكن منذ سقوطه في الخطية ابتدأ يتبع الشيطان. وجميع الناس (نسل آدم) ابتدأوا يتبعون الشيطان ويخدمونه وصاروا عبيداً له (أي أَسْرى). ولكي يوضّح لنا يسوع قصده، لذلك لم يتردد في أن يعبّر عن نفسه بـ"الناهب" (أي السارق).

لقد أوضح يسوع أيضاً في العدد 29 بأنه قد رَبَطَ الرجل القوي(أي قد ربط الشيطان)، وبعد ذلك ابتدأ بنقل ممتلكاته(أي الناس) ويُخرجهم من بيت القوي(أي يُخرجهم من مملكة الشيطان) ليُحَرِّرَهُم منه فيَدْخُلوا مملكة جديدة وهي مملكة الله لكي يصبحوا أُناس الله.

إخوتي وأخواتي، هنا علينا أن نعرف شيئاً مهمّاً وهو أنَّ يسوع لم يكن عليه أنْ ينهب بنفسه كل ممتلكات الرجل القوي (أي الشيطان) ولكن ترك هذا الأمر لتلاميذه الذين، بعد أن ربط الشيطان، أعطاهم سلطاناً لكي يقوموا بنهب ممتلكات الشيطان، كما جاء ذلك في  إنجيل لوقا الأصحاحَيْن 9 و10. إذ أَرْسَلَ تلاميذه الاثني عشر إلى عدة مدن وقُرى وأَخْرَجُوا الشياطين من الناس (لوقا 9: 1-2)، وأما في إنجيل لوقا(10 :1-16) فقد أَرْسَلَ يسوع سبعون تلميذاً آخرين وأعطاهم كذلك سلطاناً. وعندما رجع السبعون بعدما أَخْرَجُوا شياطين وشفوا مرضى كثيرين، كانوا فرحين جداً لأنهم كانوا قادرين أن يُخرجوا الشياطين(لوقا10: 17).

ولكن هل تعرفون ماذا قال يسوع لتلاميذه الفَرِحِين؟(ع 18-20)  لقد قال:"رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء. ها أنا أُعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوة العدو ولا يَضُرُّكم شيءٌ. ولكن لا تفرحوا بهذا أنّ الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أنّ أسماءكم كُتبت في السماوات". لقد أراد يسوع أن يعرِّف التلاميذ سبب خُضوع الشياطين لهم، أي السبب الذي جعلهم قادرين أن يخرجوا الشياطين، وهو أنّ الشيطان (رئيس الأرواح الشريرة) قد سقط من السماء. وقال لهم يسوع أيضاً بأنه سيعطيهم سُلْطاناً لكي يَسْتَمِرُّوا بإخراج الشياطين وتَدميِر قوة العدو. وأنا أعتقد بأنّ فَرَحَ تلاميذ يسوع قد ازداد أكثر لدى سماعِهِمْ عن إمكانية استمرارهم بعمل ذلك. ولكن يسوع قال لهم:"لا تفرحوا بهذا أنّ الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحَرِيِّ أنّ أسماءَكُم كُتِبَتْ في السماوات". لماذا قال لهم يسوع ذلك؟ لأنّ ذلك هو أمرٌ وقتي في هذه الأرض، ولكنْ أنَّ أسماءهم كُتِبَت في السماوات فذلك يعني أنَّهم يستطيعون التواجد بصورة دائميَّة في السماء وبفرحٍ(بدلا من البكاء وصرير الأسنان في الجحيم) الذي هو أمر دائمي (أي أبدي). هل عندكم هذا الفرح؟ أنا عندي نفس هذا الفرح وذلك لأنني مُتَأَكِّدٌ بأنَّ اسمي قد كُتِبَ في السماوات.

في بداية إيماني، كُنت أَتَمَنّى كثيراً أنْ أكونَ قادراً على إخراج الشياطين وشفاء الناس المرضى، وذلك كان موضوع صلاتي الرئيسي.

ذهبتُ في إحدى المرّات في زيارةٍ الى بيت صديقي لكي أتحدث إليهم بالإنجيل. ولكنَّ والدة صديقي كانت تعارضني بشدة وكانت هي مريضةً جداً. وعلى كل حال، تمكَّنتُ أن أطرد الشياطين منها، وبعد ذلك ركعوا إلى الأرض وقبلوا الرب يسوع المسيح مخلِّصاً لهم، وأصبحوا بعد ذلك بحالة جيِّدة. وأنا قد عملت ذلك مرات عديدة وكنت سعيداً جداً جداً، لقد أخرجتُ شياطين عديدة وشفيت مرضى كثيرين وعملتُ ذلك مرّات عديدة ولكنْ أرجو أنْ تفهموا وتعرفوا أنَّ كُلَّ ذلك كان في الحلم أثناء نومي.

ولكن أرجو أن تعلموا أيضاً بأنني شَفَيْتُ كثيرون من الناس العُمي، ليس في الحلم ولكن حقيقةً. طبعاً شفيتهم ليس جَسَدِيّاً بل روحيّاً، من خلال خدمتي للرب. فقد تعرَّفَ كثيرون من الإخوة والأخوات على الرب يسوع المسيح، وانتقلوا من مملكة الشيطان إلى مملكة الله، وقد كُتِبَت أسماءَهم في السماوات مثل السبعين تلميذاً (لوقا10) ومثلي أيضاً. والآن هم سُعداء كما أنني أنا سعيدٌ أيضاً. ألا تعتقدون أنني سعيد؟ أنا واثقٌ بأنَّ لديكم نفس هذا الفرح.

إخوتي وأخواتي، يوجد في عالمنا هذا أكثر من 180 دولة، وأكثر من 6 آلاف أُمَّة. وتقريباً (2092) أُمَّة من هذه الـ 6 آلاف أُمَّة لَدَيْها الكتاب المقدس بلغتها الخاصة. أي أنَّ هناك عدَّة أمم وعدَّة دول وعِدَّة لغات، ولكن في نظر الرب يسوع المسيح توجد هناك مملكتان فقط وهما:مملكة الله ومملكة الشيطان، ولا توجد مملكة ثالثة بينهما. وجميع الناس في هذا العالم ينتمون إلى إحدى هاتَيْن المملكتين. ولكنْ إلى أيَّةِ مملكةٍ ننتمي نحن (أنا وأنتَ وأنـتِ). ففي نظر الناس نحن (عراقِيُّون أو مصريُّون أو أُرْدُنِـيُّون أو كوريُّون) ولكنْ في نظر الرب يسوع المسيح، جميع الناس ينتمون إلى إحدى المملكتين: إمّا مملكة الله أو مملكة الشيطان. ففي العدد(30) يتوضّح هذا الكلام :"من ليس معي فهو عليَّ، ومن لا يجمع معي فهو يُفَرِّق". فالذين ليسوا مع المسيح فَهُم ضدَّه، وهذا معناه إنهم مع الشيطان لذلك فَهُم سيبقون بصورة مستمرة في مملكة الشيطان، إلى أنْ يذهبوا معه إلى الجحيم والعذاب الأبدي. وأمّا الذين مع يسوع فَهُم قد دخلوا في مملكة الله وسيبقون معه إلى الأبد في السماء.

إخوتي وأخواتي، هناك مَنْ هُم في مملكة الله ومَنْ هُم في مملكة الشيطان. لذلك نستطيع أن نقول بأنَّ هناك جنسيَّتين فقط:جنسيَّة سماويَّة وجنسيَّة شيطانيَّة. فماذا عنكم؟ في أيَّة مملكةٍ أنتم الآن؟ أو أيَّة جنسيَّةٍ تحملون؟ هل انْـتَـمَـيْـتُم إلى مملكة الله، أم أنَّكُم لازلتُم في مملكة الشيطان؟ لأنه لا يوجد انتماء ثالث. فإمّا أنكم منتمين إلى مملكة الله أو إلى مملكة الشيطان. وإذا كنتم في مملكة الله، فهل أنتم متأكّدون من استمرار بقائكم فيها؟ أم أنَّ بعضكم فَكَّرَ في أنه قد يُطْرَد من مملكة الله إلى مملكة الشيطان، ومن ثم إلى الجحيم؟

 

 

إنَّ هذا الأمر مهم جدّاً. لذلك دعونا نسأل هذا السؤال:كيف ينتقل الشخص من مملكة الشيطان إلى مملكة الله؟ وهل تعرفون كيف انتقلتُم أنتُم من مملكة الشيطان إلى مملكة الله؟ إنَّ ذلك يُصبح ممكناً بواسطة الروح القدس كما جاء في ع 28:"ولكنْ إنْ كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله".

أي أنّ هناك علاقةٌ وثيقة جداً بين انتقال شخص من مملكة الشيطان إلى مملكة الله، وبين الروح القدس الذي يقوم بعملية النقل هذه. أي أنّ الشخص لا ينتقِل من مملكة الشيطان إلى مملكة الله، إلاّ بواسطة الروح القدس. وإذا انتقل شخصٌ ما من مملكة الشيطان إلى مملكة الله، فهل يعني ذلك بأنه أصبح في أمان ولَنْ تُحارِبَهُ مملكة الشيطان؟ كَلاّ طبعاً.

وهُنا علينا أن نتذكر عنوان دراستنا اليوم :"بين يوم الحسم ويوم النصر". فنحن ما زِلْنا في فترة "يوم الحسم" وليس في فترة "يوم النصر". وذلك يعني أننا ما زلنا في فترة الحرب مع أجنادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّة. ولذلك فمن الطبيعي أنْ نَتَعَرَّضَ إلى هجماتِ الشَّيطان. ونسقط أحياناً في الخطيَّة و في مَكايِدِ إبليس(الشيطان). فهل يعني ذلك أننا ننتقل من مملكة الله إلى مملكة الشيطان مرَّةً ثانيةً؟ وهل يعني ذلك أننا سوف نذهب إلى الجحيم؟ كلاّ مُطْلَقاً. ولكن للأسف، بعض المؤمنين يفكِّرون كذلك. خصوصاً مِنْ خلالِ فَهْمِهِم بصورة خاطئة معنى العددين 31 و32:"لذلك أقول لكم كل خطيَّةٍ وتجديفٍ يُغْفَر للناس وأمّا التجديف على الروح فلن يُغفر للناس. ومن قال كلمةً على ابن الانسان يُغفر له وأمّا من قال على الروح القدس فلن يُغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي". ولكن في الحقيقة هذا غير صحيح.

إخوتي وأخواتي، أرجو أنْ تعرفوا أنّ يسوع لا يقصد أنَّ هنالك احتمالٌ للانتقال مِنْ مملكة الله إلى مملكة الشيطان بالنسبة للناس الذين انتقلوا من مملكة الشيطان إلى مملكة الله. ففي الحقيقة تُوضِّح لنا هذه الأعداد (31و32) مَنْ يستطيع أن يدخل ملكوت الله ومَنْ لا يستطيع الدخول. ولكنْ ما الذي يجعلنا نبقى في مملكة الشيطان بصورةٍ مستمرة ولا نستطيع أن ندخل ملكوت الله؟ السبب هو:الْخَطِيَّة. فهؤلاء الذين غُفِرَتْ لهم خطاياهم، قد دخلوا ملكوت الله. وأما الذين لم تُغفر لهم خطاياهم فهؤلاء ما زالوا باقين في مملكة الشيطان. ومن الكتاب المقدس نعرف أنَّ الله لنْ يَغفر أبداً للشيطان. لذلك فالناس الذين لم تُغفر لهم خطاياهم فهم باقين بصورة مستمرة مع الشيطان. وأخيراً فإن الشيطان سيذهب إلى الجحيم بعد مجيء المسيح ثانيةً. وبكلماتٍ أخرى فإنَّ الناس الذين سيبقون مع الشيطان في مملكته، سيذهبون معه أيضاً إلى الجحيم. ويُسمّي علماء اللاهوت المجيء الثاني للمسيح بـ"يوم النصر".

 

نعم، إنَّ يسوع لم يتكلم عن إحتمال انتقال الأشخاص الذين آمنوا به، من مملكة الله إلى مملكة الشيطان. أي لم يتكلم يسوع عن إحتمال رجوع المؤمن مرَّة ثانية إلى مملكة الشيطان. إذاً ما هو قصد يسوع من قوله الذي جاء في العددين 31و 32؟

لقد كان يسوع في هذين العددين يحاول أن يشهد للفرِّيسيين وجهاً لوجه، وذلك لكي تكون لديهم الإمكانيَّة أو الفرصة للإلتقاء به وجهاً لوجه والإصغاء إليه. ولكنهم لم يفتحوا قلوبهم ليقبلوه ولم يفهموا أو يعرفوا من كان يسوع المسيح أو عن ماذا كان يتكلّم، بالرغم من أنَّه كان يتكلَّم إليهم بروح الله.

ولكن مما يدعو للعجب هو أنَّ يسوع كان لديه الإستعداد لكي يَغفِرَ لهم ويُفَهمهم، بالرغم من قولهم عنه، أَوْ وَصْفِهِمْ لَهُ، بأنَّه رئيسٌ وسيطٌ في مملكة الشيطان. يسوع لم يقُل لهم: "أنتم أصبحتُم بلا أمل بعد الآن، أنتم قد انتهيتم، لأنكم عملتم الخطية العظيمة ضد الروح القُدُس، لذلك فبسبب هذه الخطية، ليس لديكم من الآن فصاعداً أيَّة فرصة لغفران خطاياكم والدخول إلى ملكوت الله". لم يقل يسوع مثل هذا القول.

ولكن كان قَصْدَهُ أنْ يُوَضِّحَ لهم بأنَّ الروح القدس سيستمر ينادي إليهم برسالة ملكوت الله، ((طبعاً ليس فقط بواسطته (أي بواسطة يسوع) ولكن بواسطة تلاميذه من بعدِهِ، والذين كان سيقوم بسكب الروح القدس عليهم بعد صعوده إلى السماء. ومن ثمَّ فإنَّ تلاميذه كانوا سيشهدون له بواسطة الروح القدس ابتداءاً من أورشليم إلى أقصى الأرض)). لذلك قَصَدَ يسوع هُنا من قوله الذي جاء في العددين 31و 32 أن يوَضِّح للفرِّيسيين بأنَّهم عندما لا يقبلون شهادة الروح القدس له بواسطة تلاميذه، ولا يتوبون، ولا يحصلون على غفران لخطاياهم، فحتى تلك اللحظات هم لا يزالون يرفضونه، لذلك فهم بلا أمل للدخول إلى ملكوت الله. ولكن يجب أن نعرف بأنه ما زال لديهم الفرصة للخلاص والدخول إلى ملكوت الله فيما لو قبلوا شهادة الروح القدس للمسيح بواسطته الآن أو بواسطة تلاميذه من بعدِهِ.

 

ولكن مامعنى التجديف على الروح القدس؟ إنَّ معنى التجديف على الروح القدس هو استمرار الإنسان على رفض محاولات الروح القدس لفتح قلبه، لكي يقبل المخلِّص الرب يسوع المسيح الذي يشهد له الروح القدس. وبكلمات أخرى فإنَّ يسوع لم يكن يتكلَّم عن عدم إمكانيَّة الخلاص والدخول إلى ملكوت الله. بل كان يتكلَّم عن إمكانيَّة ذلك، فيما إذا لَمْ يُقَسِّ هذا الشخص قلبه في الـمُسْتقبل خلال حياته عند سماعه صوت الروح القدس، الذي يستمر بالشهادة إليه عن المسيح بواسطة تلاميذه، إلى أن يفتح قلبه ليقبل الرب يسوع المسيح مخلِّصاً له. لذلك علينا أن نفهم فكر يسوع، إذ كان يحاول مِنْ كل قلبه أن ينقِلهم من مملكة الشيطان إلى مملكة الله. ولكنهم لم يفهموا كلامه حتى الآن، ولم يقبلوه ولم يتوبوا إليه بالرغم من الوقت الكافي الذي صرفه معهم.

إخوتي وأخواتي،

نُكرِّر ما قلناه بأنّ يسوع كان لديه الاستعداد أن يغفر للفريسيين بالرغم من إنّهم كانوا يَصِفُونَه بأنه رئيس وسيط في مملكة الشيطان. يسوع هو ابن الله وعندما تجسّد فقد أصبح في نفس الوقت ابن الانسان أيضاً، أي أصبح إنساناً مثلنا. وفي تلك اللحظات التي كان فيها واقفاً أمام الشعب وأمام الفريسيين كان يبدو لهم إنساناً عادياً، لذلك كان من الصعب جداً عليهم أن يتعرَّفوا عليه بأنه ابن الله. وكان يسوع يعرف ذلك، ولهذا السبب فإنه كان على استعداد أن يغفر لهم بالرغم من أنهم أخطأوا بحقه.

ماذا قال يسوع بعد ذلك؟ ع33 قال:"اجعلوا الشجرة جيّدة وثمرها جيداً. أو اجعلوا الشجرة رديّة وثمرها ردِيّاً. لأنْ مِنَ الثمر تُعرف الشجرة". فيسوع كان يحاول أن يُقنعهم ليفهموا مَن هو، وماذا كان يفعل، أي كأنه كان يقول لهم:"أنا عملتُ أمامكم عملاً جيداً، فقد أخرَجْتُ الشياطين وشفيتُ الرجل الأعمى، فهذا عمل جيّد. لذلك حاولوا أن تفتكروا (أو تعتقدوا) بأنني أنا أيضاً شخصٌ صالـحٌ لأنني عملتُ عملاً جيداً". لقد كان يسوع يحاول في الحقيقة أن يُقنعهم لكي يُغَيِّروا تفكيرهم أو أعتقادهم أو وجهة نظرهم عنه، وذلك من خلال ما شاهدوه من أعمالٍ جيّدةٍ قام بها، فمن الثمر(أي من الأعمال التي يعملها الإنسان) تُعرفُ الشجرة(أي يُعرف الإنسان). ولكنهم مع ذلك لم يغّيروا اعتقادهم عنه.

ماذا قال يسوع بعد ذلك؟ع34-37 قال:"يا أولاد الأفاعي كيف تَقدِرُون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار. فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرجُ الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يُخرجُ الشرُور. ولكن أقول لكم إنَّ كُلَّ كلمةٍ بطالةٍ يتكلم بها الناس سوف يُعطون عنها حساباً يوم الدين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان."

إخوتي وأخواتي، ما الذي جعل يسوع المسيح يقول ع34-35؟ هل السبب لأنه كان غاضباً عليهم، لأنهم لم يقبلوه بالرغم من محاولته لتوضيح الأمور لهم بصورة جيدة وبإخلاص، عما فعله؟ أم هل أصبح يائساً منهم، وغاضباً عليهم لذلك فهو الآن يَصُبُّ عليهم لعنتهُ بقوله لهم"يا أولاد الأفاعي...."؟ كلا. ولكن ما هو الدافع لقوله الذي جاء في العددين 34 و35؟ لقد كان يسوع يتكلم عن السبب الرئيسي أو الأصلي لعدم قبولهم له، وهو لأنهم كانوا يَخُصُّونَ أو يَنْتَمُونَ إلى مملكة الشيطان. ولذلك قال لهم يسوع "يا أولاد الأفاعي،" أي أولاد الشياطين، أو أولاد إبليس، "كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات، وأنتم أشرار"، أي أنهم من المستحيل أن يتكلموا بالصالحات وذلك لأنهم أشرار، لأنَّهم في مملكة الشرير، أي في مملكة الشيطان، لأنَّهُم أولاد الأفاعي، أي أولاد شياطين. لقد كان يسوع يتكلم عن استحالة(أي مستحيل) فَهْمِهِمْ لهُ وقبولهم إياهُ، وتمييز أعمالهُ التي هي جيدة لأنه كان هناك سبب رئيسي وراء ذلك، وهو أنهم أولاد الشيطان لأنهم كانوا ينتمون إلى مملكته. وهذه هي الحقيقة في نظر يسوع ليس فقط للفريسيين في هذا الأصحاح بل أيضاً لكل نسل آدم. وذلك هو السبب الرئيسي أنَّ يسوع شَرَحَ (أو وضح) لهم بأنه قد جاء إلى هنا ليعمل شيئاً ضد الشيطان الذي هو ملك مملكة الظلمة. يسوع كان يريد أن يتعامل ليس فقط مع الفريسيين و مع نسل مملكة الشيطان (أي مع الناس الذين هم يخصون أو ينتمون إلى مملكة الشيطان)، ولكن أيضاً ليهزم الشيطان وينقض أعماله، وهذا مهم جداً. وذلك هو السبب أن يسوع قال لهم "يا أولاد الأفاعي" (أي أولاد الشياطين) وأخبرهم أيضاً بأنه قد ربط سيدهُم، أو ملكهُم، أي الشيطان. لذلك أرجو  أن تعرفوا بأن يسوع لم يأت إلى هنا ليحارب نسل الشيطان، أي الناس الخطاة الذين هم في قبضة الشيطان وفي مملكته، ولكنه جاء إلى هنا لكي يحارب ويهزم الشيطان. وذلك واضحٌ من العدد 29، إذ ربط الشيطان (أسقط الشيطان). وطبعاً في ذلك الوقت الفريسيون لم يفهموا قول يسوع. هؤلاء الذين يتبعون الشيطان فهم يتكلمون عن شؤون الشيطان، وأما الذين يتبعون يسوع يستطيعون أن يتكلموا بأمور حسنة ع35-37. لذلك فالذين يتجاوبون مع محاولات الروح القدس معهم فهؤلاء من الممكن أن يقبلوا الرب يسوع مخلصاً لهم، ثم يبدأوا يتكلمون عن يسوع، ويمدحونه ويرنمون له. لذلك الآن نتكلم عن العددين36و37:"ولكن أقول لكم إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدّين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدانُ". أيُّ نوعٍ من الكلام تكلَّمت به عن يسوع؟ هل تكلمت عنه مثل الفريسيين أم مثل باقي المؤمنين به؟ بالنسبة للفريسيين الذين قرأنا عنهم هذا اليوم في متى 12: 22-37، تكلموا عليه كلاماً سيئاً جداً جداً وفيما لو لن يُغيروا كلامهم عن يسوع، واستمروا يعتقدون ويقولون بأن يسوع هو رئيس وسيط في مملكة الشيطان، عندها سوف يُدانون. ولكن في المستقبل في الوقت المناسب إذا تكلموا بالحق عن يسوع المسيح كالمخلص والرب لهم، عندها لن تكون هناك دينونة عليهم (ع36و37):"ولكن أقول لكم أن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدّين. لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدانُ." بعدما سمع يسوع كلام الفريسيين عنه بأنهم يعتبرونه رئيس وسيط في مملكة الشيطان، أخذ يتكلم معهم عن كلام الاعتراف به (مثلما جاء في رومية 10: 9-13)"لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامهُ من الأموات خلصت، لأن القلب يؤمن به للبر والفم يُعْتَرَفُ به للخلاص. لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لايخزى. لأنه لا فرق بين اليهودي واليوناني لأنَّ رباً واحداً للجميع غنياً لجميع الذين يدعون به. لأن كل من يَدْعُو باسم الرب يخلص."

البعض يُفكر بأن هذه الأعداد 35-37 تخصّ الناحية الأخلاقية. فيقول كل واحد منهم:"أنا لست سيئاً وأنا دائماً رزين، وأحاول أن أتكلم دائماً بكلام جيد، وأنا لا أتكلم بكلام سيِّء ضد أي شخص، وكلامي ليس بطّال بل صالح، لذلك فأنا سأذهب إلى السماء". فهم يحاولون أن يفسروا هذه الأعداد بهذه الطريقة. ولكن ما الذي كان يقصده يسوع بهذه الأعداد؟ لقد كان يقصد عن نوعية الكلام عنه(أي عن يسوع). هل مثل الفريسيين أم مثل باقي المؤمنين به؟ من هو الصالح؟ لا يوجد أحد صالح إلاّ يسوع وحده لأنَّه هو الله الذي ظهر في الجسد. ولذلك فإنّ سجودنا وتسبيحنا ليسوع والكلام الحسن عنه هو ليس كلاماً بطّالاً، وأما ما عدا ذلك الكلام فيُعتَبَر كلاماً بطّالاً.

إخوتي وأخواتي،

ماذا عنكم أنتم الآن؟ أين أنتم الآن؟ هل في مملكة الشيطان أم في مملكة الله؟ هل أنتم الآن تختبرون الحياة في ملكوت الله؟ بالطبع سوف ندخل ملكوت الله(السماوات) كما هو مذكور في رؤيا يوحنا أصحاح 21، ولكن مع ذلك فنحن الآن نختبر ملكوت الله هنا. هؤلاء الذين اختبروا وتمتَّعوا بملكوت الله هنا، فهم ينقادون بواسطة روح الله القدوس، وهم قادرين أن يقدموا آخرين(أو يأتوا بآخرين) إلى مملكة الله، حيث هم موجودين ومستقرين الآن. لذلك يكون السؤال هنا هو: كم عدد الناس الذين أحضرتهم من مملكة الشيطان إلى مملكة الله؟ كم من الأمتعة أو الممتلكات التي كانت في مملكة الشيطان استطعت أن تنهب أو تأخذ وتنقل إلى مملكة الله؟ هذا مهم جداً. هناك كثيرون فرحين الآن بسبب هذا العمل. هل عندك أنت أيضاً هذا الفرح؟ أنا حقاً سعيد بسبب هذه الحقيقة. كم من الناس العُمِي شفيتَ أنت؟ كم من ممتلكات أو أمتعة الشيطان أخذتَ ونقلتَ من مملكة الشيطان إلى مملكة الله، لِيُصبحوا من ممتلكات مملكة الله(أي ليصبحوا أناس الله)؟ إن المشكلة ليست هي العمى الجسدي ولكن المشكلة هي أخطر من ذلك بكثير، فهي مشكلة العمى الروحي. هناك العديد من الناس العُمي جسدياً وهم لديهم بصيرة روحية. أي الذين هم ليسوا عمياناً من الناحية الروحية، فلديهم عيون جيدة في هذا العالم. مثل إمرأة أمريكية تُدعى "كروث بي" كانت كاتبة ترانيم، إذ كانت عمياء جسدياً ولكنها كانت مؤمنة بالرب يسوع المسيح ولها بصيرة روحية وكانت ممتلئة من الروح القدس.

إخوتي وأخواتي، يجب علينا هنا أن نفهم ما هو عمل الشيطان؟ إنّ الشياطين هي أرواح شريرة تَسْعَى وتعمل بكل قدرتها من أجل أن لا يكون في إمكاننا أن نرى يسوع كالمخلص، بل نستمر في البقاء في مملكة الشيطان، أو هم يحاولون إرجاعنا نحن المؤمنين إلى مملكة الشيطان بالرغم من أنهم يعرفون بأنَّ ذلك مستحيل، لذلك فنحن في صراع معهم فنُخرج الأرواح الشريرة بواسطة الروح القدس. جميع الذين أصبحوا مؤمنين بواسطة الروح القدس فهؤلاء هم جاهزون ومؤهلون لإخراج الشياطين (الأرواح الشريرة). لذلك لاتخافوا يا إخوتي، بسبب الأرواح الشريرة، ولا تحسدوا أو تغاروا من بعض الذين يقومون بهذه الخدمة لأننا جميعنا نستطيع إخراج الأرواح الشريرة، لأن يسوع أعطانا كل السلطان لأجل ذلك، كما جاء في متى 28: 18-20

 

إخوتي وأخواتي،

مرة ثانية نقول أنّ يسوع لم يتعامل مع الرجل المجنون الأعمى الأخرس فقط، ولكنه تعامل أيضاً مع الشعب والفريسين. لقد كان يسوع يحاول أن يستغل هذه الفرصة لصالح مملكته. لذلك نرى أنه لم يشفِ الرجل المجنون الأعمى بصورة سِرية، ولكنه شفاه بصورة علنية. وذلك لكي يُتيح فرصة للناس الذين تجمعوا وللفريسين أيضاً لكي يتعامل معهم جميعاً وليس فقط مع الرجل الأعمى الأخرس.

دعونا نُصلّي.

أبانا السماوي القُدُّوس، نشكرك من أجل أنك أرسلتَ إبنك الوحيد يسوع المسيح الذي ربط الشيطان ونقلنا من مملكة الشيطان إلى ملكوتك السماوي. ونشكرك لأنَّ أسماءنا كُتِبَتْ في السماوات لذلك نحن نفرح بهذا. أبانا السماوي نشكرك من أجل كلمتك الحيَّة ونشكرك من أجل روحك القدوس الذي فتح قلوبنا لكي نقبل ابنك الوحيد مخلِّصاً لنا وربّاً وسيِّداً على حياتنا. باركنا واحفظنا من الشرير، واستخدمنا لمجد اسمك. آمين.

 



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6