Tue | 2012.May.29

مُرتبكةٌ أم مُتهللة؟


وَجَلَسَ الْمَلِكُ وَهَامَانُ لِلشُّرْبِ، َأَمَّا الْمَدِينَةُ شُوشَنُ فَارْتَبَكَتْ ( أس ٣: ١٥ )

بَدَت الحياة في ثيابِها السوداء، واستعدَّت يدُ الغوغاءِ لإراقةِ الدماء، فهذا هامان الرديء على رأس الأردياء، مُدعَّمًا بالخاتَم الملكي، فأعد مذبحةً للرجالِ والأطفالِ والنساء، فما الذي تقصده السماءُ من وراءِ سيولِ البلاء؟ أ تقصِدُ فشلاً وهلعًا، أم صَومًا ونحيبًا وبكاء؟ وما الخسارة وإن كانت أنهارُ بكاءِ المساء، مؤذنةً بترانيم الصباحِ وكؤوس الهناء. فصبرًا جميلاً يا شوشن المرتبكة، فسوف تتهللين عندما يخرج مُردخايُ من أمامِ الملكِ، في ثيابِهِ الأسمانجونيةِ والبيضاء. فيا مرتبكون اهدأوا، فوقعُ أقدامِ التهلُلِ قد عَلا، ولكن بعد أن يعرفَ الجميعُ من هو ربُ السماء.

إن ما بين الارتباكِ والتهلل ساعاتٌ وأيامٌ وربما أكثر، ولكنها أوقات ثقيلة الخُطى، تسيرُ عقاربُ ساعتِها في بُطءٍ شديدٍ وكأنها عنيدةً، غير مُباليةٍ بانزعاج المرتبكين، الذين وإن استطاعوا لركَبوا أجنحةَ الريح، فرارًا من المأزق إلى بحبوحةِ المتهللين. ولكن مهلاً يا صديقي إن هذه الأوقات، أقصدُ ما بين الارتباكِ والتهلل، يتعلمُ المؤمن فيها دروسًا، لم يكن للحياةِ أن تسيرَ بدونِها. فمثلاً:

1- «لما عَلِمَ مردخاي كل ما عُمل، شق ثيابه ولَبس مِسحًا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مُرَّة» ( أس 1: 4 ). هل تَعلَّمنا كيف نصلي وننسحق كأفراد؟

2- «فقالت أستير ... اذهب اجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي، ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا. وأنا أيضًا وجورايَّ نصوم كذلك» ( أس 4: 16 ،15). هل تَعلمنا كيف نصلي وننسحق كجماعة؟

3- «في تلك الليلة طار نوم الملك، فأمر بأن يُؤتى بسِفر تذكار أخبار الأيام فقُرئت أمام الملك» ( أس 6: 1 ). فهل تدربنا أن نصبر لليد الخفية التي تُرَتِبُ المحطاتِ ليؤول الطريق بنا لحُسن الخلاص؟

كثيرًا ما نشتاق أن يُنهي الربُ مشوارَ آلامِنا سريعًا، ولكن الأحلى أن نشتاق أن يُتمِمَ الربُ قصدَه في تعليمنا عميقًا، بل أن يرافِقَ أثمارَ غرسِهِ في قلوبِنا مديدًا. فذاك الذي لا يعسر عليه أن «أجعل في البرية الأرز والسنط والآس وشجرة الزيت. أضع في البادية السرو والسنديان والشربين معًا. لينظروا ويعرفوا ويتنبَّهوا ويتأملوا معًا أن يد الرب فعلت هذا وقدوس إسرائيل أبدعَهُ» ( إش 41: 19 ، 20). فلا نقلق، فإن: «الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج» ( مز 5: 126 ).


بطرس نبيل



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6