Sun | 2020.Jan.26

سِرُّ التجسُّد العظيم


«قَصَّرَ أَيَّامِي ... إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ»

بلغة الحزين المُتألم، في جثسيماني، يصرخ ذلك المسكين إلى الله، ويسكب نفسه أمامه في ضيق واكتئاب عظيمين، ومن أعماق نفسه المُرّة يقول باعتباره ابن الإنسان، مُخاطبًا الله إلهه: «يَا إِلَهِي لاَ تَقْبِضْنِي فِي نِصْفِ أَيَّامِي». وأمام هذا الاتضاع العجيب لأجل مجد الله، يأتي الجواب الإلهي، ردًا على هذه الصرخة الأليمة، قائلاً: «إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ سِنُوكَ. مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ» ( مز 102: 23 -27؛ عب1: 10-12).

هذه هي اللغة التي بها يُخاطب الله ابن الإنسان، الذي هو ابن الله، الكائن على الكل إلهًا مُباركًا إلى الأبد. ولكنه جاء مُخفيًا مجده في حجاب الناسوت، لأجل تتميم مشيئة الله. ويا للعجب أن ذاك الذي كان يتنهد في جثسيماني، حتى تعب من التنهد، والمُتضع حتى أعماق الاتضاع، يُخاطبه الله باعتباره خالق السماوات والأرض، بل حتى هذه تنحل عناصرها وتذوب، ثم تغيب، وهو له المجد يبقى في كل سلطانه ومجده الأبدي.

وأية صورة هذه التي جمعت النقيضين حسب الظاهر؟! فمن جهة واحدة نرى الإعياء والانحناء والمرارة والاتضاع، ومن الجهة الأخرى نسمع جوابًا آتيًا من عرش الله يُخاطب هذا المسكين باعتباره الله الكائن على الكل إلهًا مُباركًا إلى الأبد!

إن عدم الإيمان يرى الصورة من زاويتها الأولى، ولكنه لا يسمع الإجابة التي تُضفي عليها من الزاوية الأخرى، مجدًا لامعًا. أما قلوبنا المُتعبّدة المُتفكرة، فتخاطبه بنفس اللغة، لأننا بالإيمان نرى مجده. وأمام جلال اتضاعه، نقول: «رَبِّي وَإِلَهِي!». لأن الإيمان يتلذذ بالاعتراف بالرب سَيِّدًا وإلهًا وربًا فوق الكل، حتى وإن ألقى اتضاعه العجيب ظله على صورة ابن الله، وهو يتمشى في طريق الخلاص. فله المجد في تواضعه، وله كل المجد في سموه ورفعته.


هايكوب



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6