في قول الرب لنيقوديموس «يَنبغِي أَن تُولَدُوا مِن فَوقُ»، نجد طرح الإنسان جانبًا بالكُليَّة؛ الإنسان في أفضل حالة. إن كلمة «يَنبَغي» هنا تُشبه لَهيب السَيف المذكور في تكوين 3: 24 «لَهيبَ سَيف مُتقَلِّبٍ لحِراسَة طَريقِ شجَرةِ الحيَاة». إنها تُغلِق على الإنسان الأول، وعلى كل ما يتصل به غلقًا، وتَحول بينه وبين شجرة الحياة. فإذا كان ينبغي أن أُولَد من فوق، وأحصل على حياة جديدة وطبيعة جديدة، إذن لا يهم مَن أكون أو ماذا أملك. إن الإنسان – كل إنسان - عندما يخرج من بطن أُمه، يُولَد لابسًا صورة وشبه أبويه الساقطين، ومن هنا كانت القوة في تعبير الرب عندما قال: «يَنبغِي أن تُولَدُوا مِن فَوقُ». فهو لم يَقُل: ينبغي أن تُصلح نفسك، أو تجتهد وتصير أفضل. أو ينبغي أن تُغيِّر أسلوب حياتك. ولو كان الأمر كذلك لمَا تعجَّب نيقوديموس، ولَمَا قال: «كيفَ يُمكن أَن يكونَ هذَا؟» (ع9)، لأن الفريسـي يُدرك هذه كلها. فتغيُّر السلوك، وتحسين الأخلاق، وأي إصلاح أدبي أو تهذيب ذاتي، إنما معقول ومقبول لدى فريسـي كل عصر. لكن «ينبَغِي أَن تُولَدُوا مِن فَوقُ» إنما يُدركها فقط الإنسان الذي وصل إلى نهاية ذاته وأعماله؛ الذي اقتنع أن ليس فيه أي في جسده شيء صالح، الذي يرى خرابه وإفلاسه وعريه وفقره العميق. إنه ينبغي له أن يحصل على حياة جديدة، وأن يستغني بغنى شخص آخر. ‬

‫ «يَنبَغِي» .. ههنا تَكمُن قوة هائلة في هذه الكلمة الصغيرة. إنها تعني الجميع على السواء. إنها تواجه الفاجر السكير وتقول له: «يَنبَغِي أَن تُولَد مِن فَوقُ». وتتكلَّم إلى المُتدين الذي يعف عن الخمر قائلة: «يَنبَغي أَن تُولَد مِن فَوقُ». لكل فئة من الناس، وفي كل بيئة، لكل إنسان من أية طبقة، لكل هيئة ولكل طائفة، للجميع تنطق بأسلوب واضح وأكيد وحاسم قائلة: «يَنبَغِي أَن تُولَدُوا مِن فَوقُ». إنها تقرع الضمير بقوة أكثر من كل تحريض يَهدف إلى تحسين السلوك الأدبي. إنها لا تتصل بمسألة الإصلاح الأدبي في أية ناحية من نواحيه الكثيرة، ولا دَخل لها بالفوارق التي أقامها وكوَّنها المجتمع أو القانون أو العدالة. إن صوتها يعلو فوق كل هذه ويُنادي لكل إنسان – مولود المرأة – للأردأ كما للأفضل، بأنه «يَنبغي أَن يُولَد مِن فَوقُ». إنها لا تُنشِد إصلاحًا أو ترميمًا، بل تغييرًا شاملاً.‬

‫ ماكنتوش ‬