ما هي الحياة المسيحية؟


مقدمة: ما هي الحياة المسيحية؟

 

     

         هو امرٌ غريب ان نسأل انفسنا: "ماهي الحياة المسيحية؟" ما معنى هذا السؤال؟ ألسنا نعيش هذه الحياة يومياً؟ الا تسير الأمور بالشكل الطبيعي؟ اذاً لماذا نحتاج ان نُعرّف ماهية الحياة المسيحية؟ ولماذا هذا التعقيد الذي لن يتعدى "الحبر على الورق"؟ وعلى بُعد خمس دقائق من تعريف الحياة المسيحية، هنا في الصف، ننسى ما كتبنا ونعود إلى ما قد عشنا قبل دخولنا إلى الصف.
إن الإجابة على هذه التساؤلات ليست بغاية السهولة وهي ليست بغاية التعقيد ايضاً! ولكي نجيب على هذه التساؤلات ببساطة (وبدقة) علينا ان نعود في الزمن قليلاً (أو كثيراً) إلى الوراء.

الخلق

         يقول الكتاب المقدس في اول آية من آياته الكلمات التالية: "في البدء خلق الله السماوات والأرض." (تكوين 1:1). اذاً تبدأ قصة الحياة المسيحية من أن الله هو خالق؛ خالق كل شيء. لو تخيلنا للحظات الصور التي ترسمها لنا الإصحاحات الأولى من سفر التكوين، أو لو طلبنا من رسام مبدع ان يرسمها لنا، لوجدنا انفسنا ننظر إلى لوحات فائقة الجمال، تنبض بالحياة وتعج بالألوان. وان خذلتنا مخيلتنا او ريشة الرسام المبدع، فما علينا الا ان نلجأ إلى الطبيعة من حولنا لنرا كم ان خالقنا هو اله خلاّق ومبدع. ثم نجد ان الله وضع الإنسان في قمة خليقته. ما الذي يدل على ان الإنسان في قمة او ذروة خلق الله؟

مكانة الإنسان ومَهامّه

         ان الكلمات التي يستعملها موسى ليصف خلق الله للإنسان لا تدع مجالاً للشك: " 26وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 29وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا." (تكوين 26:1-29). لم يستعمل الله اي من تلك الكلمات عن اي من خلائقه الأخرى. لم يصف الله اي من خلائقه الأخرى بأنها على صورته وكشبهه. لم يعطِ الله اي من خلائقه الأخرى المكانة والمسؤولية التي اعطيت للإنسان. ثم وضع الله آدم في جنة عدن واعطاه مهمة الإعتناء بها واعطاه تعليمات بسيطة أخرى (اي كان يتكلم اليه مباشرة وبوضوح). ونرى ايضاً ان الله مهتم بكمال حياة آدم ويعرف انه يحتاج إلى معين نظيره فيخلق حواء من ضلعه (تكوين 15:2-25). من هنا نتأكد ان الله قد وضع آدم (الإنسان) كممثل له على هذه الأرض، وميزه عن باقي المخلوقات.
لكن مع ذلك، ويجب علينا ان ننتبه هنا، لم يكن الإنسان المخلوق الوحيد، مع انه مخلوقٌ فريد. لقد خلق الله الكون وبضمنه الأرض. وقد اعطى الله الإنسان امتيازات ومسؤوليات ايضاً. ومن ضمن هذه المسؤوليات هو التسلط (بالمعنى الإيجابي) والإعتناء بخليقة الله، التي هي مهمة ايضاً بالنسبة له لأنها، ببساطة، صنع يديه.

السقوط

         والصاعقة تأتي بسرعة في الإصحاح الثالث من سفر التكوين عندما يسقط الإنسان ويفشل في تتميم توصيات الله. فيطرد الله آدم وحواء من جنة عدن. ويجلب الإنسان لعنةً ليس على نفسه فقط بل على باقي خليقة الله ايضاً. وتصبح الأرض ملعونةً بسبب آدم، واصبح من الصعب عليه ان يعتني بها. وبعد ذلك نرى ايضاً ان الحيوانات التي كانت تأكل العشب الأخضر (تكوين 2) اصبحت تأكل بعضها البعض (كما نرى اليوم). فقد أثر سقوط الإنسان على كل الخليقة. وفي الإصحاحات المقبلة من سفر التكوين (4-11) نرى أن وضع البشرية آخذٌ بالتدهور، والشر يملأ كل نواحي حياة البشر وخليقة الله.

الفداء والرجاء

         ثم يبدأ الله ثانيةً قصته مع الإنسان ومسيرته لإعادته إلى العلاقة السليمة معه. يبدأ الله من ابرام (تكوين 12، ابراهيم لاحقاً) ومن نسله يخطط الله ان يفدي (اي ان يخلص ويسترد) كل البشرية لنفسه وكل الخليقة ايضاً (انظر اشعياء 17:65-25؛ 2 بط 13:3؛ رؤيا 1:21). فيَعِد الله ابراهيم ان من نسله ستتبارك جميع امم الأرض، ويقطع معه عهداً. فيسير الله مع نسل ابراهيم (شعب اسرائيل القديم) اكثر من الف وخمسمئة سنة. فيظهر لهم مدى محبته لهم، ومدى غيرته على العلاقة معهم، وكلما كسروا عهدهم معه يعود هو فيجدده. كان يهيء الرب شعباً ليكون نوراً لكل الأمم، وكان الرب يهيء لمجيء ذاك الذي يتم به الوعد من ذلك الشعب. وبيسوع، الذي هو من نسل ابراهيم، تم الوعد. الذي هو بكر الخليقة الجديدة وبكر القائمين من بين الأموات. ونحن، المؤمنون بيسوع المسيح، شعب الله والخليقة الجديدة به، ورجائنا هو القيامة من بين الأموات كما هو قام. سوف نقوم من بين الأموات ونحيى في ارض جديدة وسماء جديدة. وكل خليقة الله هذه سوف تسترد وتفتدى وتصبح خليقة جديدة.
هذه هي قصة الله مع خليقته. هذه هي قصة الكتاب المقدس باختصار. في الخلق كانت الصورة بهيجةً، وفي السقوط غدت الصورة سوداوية، وفي الفداء ابتدأ الله يعيد الصورة إلى بهجتها الأولى، لكي يصل بها اخيراً إلى ابهج مما كانت عليه في البدء.
ان الإيمان المسيحي، هو اوسع من مجرد ايمان باله اراد أن يعيش معه بعض الناس في السماء. ان الإيمان المسيحي هو ايمان بالرب الله القادر على كل شيء، الذي خلق السماوات والأرض وكل ما فيها. هو ايمان بالمسيح يسوع، الله الذي صار انساناً وقهر الموت بموته، واعطى الإنسان بداية جديدة واعلن بدء ملكوت الله على الأرض، ومنح كل من يؤمن به روحه القدوس لكي يستطيع ان يتمم مقاصده على الأرض. واظهر للإنسان كيف تصرف الله عندما اصبح انساناً. لذا الحياة المسيحية هي حياة متكاملة، مميزة بالعلاقة مع الله التي تؤثر على كل نواحي حياة المؤمن بالمسيح.
قد يبسط البعض الحياة المسيحية ويقلصها إلى مجموعة من الأمور نعملها او لا نعملها. وقد يوسع البعض الأمر إلى درجة جعله بلا معالم ولا حدود ويدعي ان الحياة، مسيحية كانت ام لا، هي ان تعيش وتحاول ان تصنع ما هو جيد، بلا علاقة بالمسيح او الله. ولكن كما رأينا الحياة المسيحية هي قصة الله مع الإنسان ومع خليقته بشكل عام، وللإنسان دور يؤديه في هذه الحياة على الأرض وعليه ان يفعل ذلك من خلال علاقته مع الله.



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6