ما هي كفارة المسيح؟


ما هي كفارة المسيح؟

ما هو السبيل للحصول على الغفران؟
هناك طرق كثيرة يفكر فيها الانسان للحصول على الغفران، فهناك من يفكر بالصلاة و الصوم و آخر بالتوبة و الصدقة او بشفاعة القديسين و الصالحين او بهذه جميعا، هؤلاء جميعاً لم يتأكدوا ان الله قد غفر لهم بل انهم يقومون بذلك عسى الله ان يغفر لهم. و السؤال المهم هل وضع الله عدة طرق للغفران ام طريق واحد؟
وللأجابة على هذا السؤال المهم. لابد ان نعرف لماذا نريد الحصول على الغفران؟
نحن نريد الحصول على الغفران لاننا نخطأ ونريد التخلص من خطايانا. اذاً هناك خطية و الخطية هي في معناها العام الخطأ في اصابة الهدف او الانحراف عنه. و هذا يعني ان الخطية ليست هي الشر الشنيع فحسب كما يظن الناس بل انها ايضاً الانحراف عن حق الله بوصفه القاعدة التي وضعها لسلوكنا في العالم الحاضر.
ان الخاطيء(في نظر الله) ليس من يعمل خطايا كثيرة فحسب بل من يعمل خطية واحدة سواء كانت بالفعل ام القول ام الفكر فقد قال الوحي
’’لان من حفظ كل الناموس وانما عثر في واحدة فقد صار مجرما في الكل لان الذي قال لا تزن قال ايضا لا تقتل.فان لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعديا الناموس.‘‘(يعقوب10:2-11).
و هذا يعني عدم التفرقة بين الصغائر و الكبائر، فان الذي يمتنع عن الكبائر لغرض ارضاء الله يستطيع ان يمتنع عن الصغائر. ان الانسان يعمل الخطية بمحض ارادته، فهو ليس مسلوب الارادة فمنذ بدء الخليقة اعطاه الله حق الاختيار و الارادة الحرة. و قد اختار الانسان منذ البدء (اي آدم) طريق الخطية و بذلك دخلت الخطية الى حياته.
و بسبب قداسة الله فهو يسر بالخير و يكره الشر فالله لا يطيق الاثم
(اشعياء 13:1) وان عينيه اطهر من ان تنظرا الشر(حبقوق 13:1) فاذا فعل احدنا الخطية ضد نفسه او ضد غيره لا يكون قد اساء الى نفسه او غيره فحسب بل و الى الله قبل كل شيء آخر.
اذاً بالخطية انقطعت علاقتنا الوثيقة مع الله اي اصبح هناك انفصال روحي عن الله اي الموت الروحي، هذا هو الضرر الرئيسي الذي اصاب الانسان الخاطيء. لكن ليس هذا فقط بل هناك اضرار كثيرة لحقت بالانسان مثل:
اولاً:الأضرار النفسية : من يركض وراء الخطية كثيرا ما يحيا حياة القلق و عدم الاستقرار و يتعرض احيانا الى امراض نفسية.
ثانياً:اضرار ادبية : من يعمل الخطية لا يستطيع ان يعود مثلما كان فهو لا يستطيع بقوته الذاتية التخلص من الخطيئة او من نتائجها مثل الطائر الذي يسعى للانطلاق نحو السماء و هو مقصوص الجناح و كما قال بولس الرسول بوحي الروح القدس:
’’فاني اعلم انه ليس ساكن فيّ اي في جسدي شيء صالح.لان الارادة حاضرة عندي واما ان افعل الحسنى فلست اجد. لاني لست افعل الصالح الذي اريده بل الشر الذي لست اريده فاياه افعل. فان كنت ما لست اريده اياه افعل فلست بعد افعله انا بل الخطية الساكنة فيّ. اذا اجد الناموس لي حينما اريد ان افعل الحسنى ان الشر حاضر عندي. فاني اسرّ بناموس الله بحسب الانسان الباطن. ولكني ارى ناموسا آخر في اعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني الى ناموس الخطية الكائن في اعضائي. ويحي انا الانسان الشقي.من ينقذني من جسد هذا الموت.‘‘ (رومية 18:7-24).
ثالثاً:اضرار مادية : بسبب الخطية كم من قوي تهدمت صحته و شاب بمقتبل العمر ذبلت نضارته و مثقف كان يزدان به المجتمع فقد مكانته و كم من غني اصبح فقيرا و عظيم اضحى حقيراً و محترم امسى مهانا ذليلا و بسبب الخطيئة كم من خصام دب بين العائلات و الدول راح ضحيته كثير من الابرياء.


الطرق البشرية للحصول على الغفران
معظم الذين يدركون بشاعة خطاياهم يحاولون استرضاء الله بوسائل شتى حتى (حسب اعتقادهم) يغفر لهم. و اهم هذه الوسائل هي الصلاة و الصوم و التوبة و الصدقة و الاستشفاع بالقديسين و الصالحين و زيارة مراقدهم كما ذكرنا سابقا و لكي تتضح لنا قيمة هذه الوسائل بصفة عامة من جهة جواز الحصول على الغفران بها نقول: 
لنفترض انه عندما حكم على انسان بالاعدام لقتله اخر عمدا (مثلا) اخذ يستعطف القاضي و يتذلل له (الصلاة) او امتنع عن الطعام او الشراب امداً طويلا (الصوم) او تعهد بكل اخلاص ان لا يرتكب جريمة اخرى (التوبة) او وهب كل امواله للفقراء او المساكين (الصدقة) او التجأ الى ذوي الشأن لكي يقوموا له بدور الوساطة و الشفاعة و.....الخ. فهل تعتبر هذه التصرفات امام نزاهة العدالة المطلقة اسباب كافية لتبرئة الانسان المذكور او حيثيات قانونية لالغاء او تخفيف حكم الاعدام الصادر ضده؟ طبعاً لا، لان التصرفات المذكورة لا تستطيع ان تعيد الى قوانين الدولة كرامتها بالدرجة التي تصبح معها كانه لم يعتد عليها ولا تعيد الحياة الى القتيل حتى ينهض من موته و يحيا، لذلك لا يمكن تبرئة هذا القاتل او تخفيف الحكم الصادر ضده بل يجب تطبيقه عليه كما هو، تنفيذاً لمطالب العدالة و على هذا النسق فان عدالة الله انزه و اكمل من عداله اي قضاء بشري، لان الخاطيء لم يفسد نفسه التي ائتمنه الله عليها فقط بل تعدى على شريعه الله ان يكن قد اساء كذلك الى بعض الناس. و بما ان صلواته مهما طالت و اصوامه مهما كثرت و صدقاته مهما عظمت و توبته مهما صدقت و شفاعة القديسين و الصالحين لا تستطيع ان تفي مطالب قداسة الله و عدالته لان هذه الاعمال:
اولاً:لا تستطيع ان تعيد الى الخاطيء حياة الاستقامة التي كانت لادم قبل السقوط في الخطيئة حتى يتيسر له التوافق مع الله في قداسته و غيرها من الصفات الادبية السامية .
ثانياً:لا تستطيع ان تعيد الى عدالة الله كرامتها بالدرجة التي تصبح معه كانه لم يعتد عليها حتى تعتبر الاعمال المذكورة تعويضا مناسبا لحقوقها لان عدالة الله لا حد لقدرها بينما الاعمال المذكورة محدودة في قدرها.


ضرورة الفداء و التعويض

اتضح لنا مما سلف انه لا سبيل للحصول على الغفران او التمتع بالله الا اذا تم اولا ايفاء مطالب عدالته و قداسته بوسيلة ما، و لكن هناك من يريح ضميره من جهة الغفران و التمتع بالله بترك الامر الى رحمته و ان الله غفور رحيم. نحن نعتز برحمة الله و غفرانه و نؤمن انه لا حد لها على الاطلاق. لنفرض ان قضية رفعت الى قاض مشهور بصفتين هي العدالة و الرحمة (المحبة)، فهو مقدس للعدل و لا يفرط في حق و كذلك هو محب للاخرين و رحيم. و لنفرض ايضاً ان القضية التي رفعت اليه ضد شخص يحبه كثيراً ووفق القانون و العدالة انه يجب ان يوقع فيه غرامة مالية لا يستطيع هذا الشخص ان يدفعها او أن يسجن. السؤال: هل أن محبة القاضي لهذا الشخص تمنعه من تطبيق العدالة و القانون؟
الجواب: طبعا لا، لانه عادل. و لكن اذا طبق العدالة و فرض العقوبة العادلة على هذا الشخص يكون كأنه تنازل عن رحمته. لكن هذا القاضي فرض الغرامة و بذلك طبق العدالة و لم يتنازل عن عدالته. و بعد اصدار الحكم نزع القاض ثوب القضاء العادل و نزل عن منصة القضاء و دفع الغرامة بدلاً عن هذا الشخص الذي يحبه كثيراً و بذلك لم يتنازل عن عدالته و كذلك لم يتنازل عن المحبة و الرحمة. و بذلك استحق ان يطلق علية صفة القاضي العادل و المحب. هذا ما نسميه بالفداء. و بما ان الله هو اسمى و اقدس من ان نشبهه باي شيء في خليقته فان من اهم صفات قداسة الله هي العدالة المطلقة و المحبة المطلقة غير المشروطة ولا يمكن ان يتنازل عن اي منهما فهو عادل يحترم كلمته التي قالها و التي هي قانون لكل البشر و لا يمكن ان يتنازل او يرجع في كلامه لانه ليس انسانا فيكذب و عندما يعد يوفي و هو ايضا محب يحب خليقته و يرحمها و يترأف عليها و على هذا النسق اعد خطة الفداء.
هل من العدالة ان يقوم كائن بريء بالتعويض عن خطايا احد المذنبين؟
فضلا عن ان البريء هو الذي يحق له قانوناً التعويض عن المذنبين، لان هؤلاء المذنبين لا يستطيعون التعويض عن نضيرهم من المذنبين، اذ انهم في ذواتهم يحتاجون الى من يقوم بالتعويض لهم عن ذنوبهم. نقول ان مبدأ النيابة مبدأ سليم تشهد العدالة بقانونيته طالما كان النائب قادراً و موافقاً على القيام بمطالب النيابة. لذلك نرى الشخص الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه في قضية ما ينتخب نائبا قانونيا للدفاع عنه و لا تمانع المحكمة في هذا التصرف بل تلتزم به. و المدين الذي يعجز عن سداد دينه يقوم شخص آخر بالسداد نيابة عنه و الاب الفاضل يتحمل نتائج اخطاء ابنائه عوضا عنهم و العشيرة تتحمل عوضا عن ابناءها و الجندي يبذل نفسه عن اهله و وطنه، و ليس من يعترض على واحد من هؤلاء بل اننا جميعاً نحبهم و نشهد بأعمالهم.
اذاً، لا بد من الفداء و التعويض بواسطة كائن عوضا عنا لايفاء مطالب قداسة الله في العدالة و المحبة. و ايفاء هذه المطالب يستلزم طبعا من هذا الكائن ان يقبل على نفسه القصاص الذي نستحقه بسبب خطايانا و أن يهبنا طبيعة روحية تجعلنا اهلا للتوافق مع الله في صفاته الادبية السامية.


نشأة الفداء

الفداء في اللغة العبرية هو الترضية و ازالة الأحقاد بعد دفع التعويض. و في العربية يعني (دفع شيئاً و أنقذه) و كذلك يعني :
أولاً: استرداد الشرف المعتدى عليه.
ثانياً: اطلاق سراح الأسير.
ثالثاً: استعادة الشيء المرهون.
رابعاً: انقاذ شخص من أزمة أو موت.
كل ذلك بواسطة تضحية أو مجهود ما.

و قد وردت في العهد القديم العديد من الأشارات الى الفداء، منها:
1. سجل الوحي كيف أن الله صنع لآدم و حواء أقمصة من جلد و ألبسهما و غطى نتائج خطيئتهما
( تكوين 21:3). و بذلك يكوم الله قد جعل الفداء أساس الخلاص من قصاص الخطيئة و نتائجها السيئة و التي كان يشير اليهما بالعري.
2. هابيل قدم ذبيحة لله قدمها من أبكار غنمه و من سمانها
(تكوين 4:4).
3. نوح بعد ما خرج من الفلك بنى مذبحاً للرب و أخذ من كل البهائم الطاهرة و الطيور الطاهرة، و أصعد محرقات على المذبح، فتنسم الله رائحة الرضى
(تكوين 21:8).
4. و ابراهيم أبو المؤمنين بنى مذبحاً للرب في أماكن كثيرة و كان يقدم عن نفسه ذبائح لله و لم يتردد لحظة واحدة في تقديم ابنه ذبيحة عندما طلب الله منه ذلك، ولكن نظراً الى أن هذا الطلب كان مجرد امتحان، أراه الله كبشاً فقدمه ابراهيم ذبيحة عوضاً عن ابنه أو فدية عنه
(تكوين 13:22).
5. اسحق، عندما ظهر له الرب و وعده بمباركة نسله بنى مذبحاً و دعى باسم الرب
(تكوين 25:26).
6. و يعقوب أقام مذبحاً و دعى عليه اسم (ايل) الذي معناه الله.
7. و أيوب كان من عادته أن يصعد ذبائح بعدد أبنائه لله
(أيوب 5:1).
8. و كان بنو اسرائيل يقدمون ذبائح وفق الشرائع التي أعلنها الله لموسى و كانت قسمين ذبائح عامة و ذبائح شخصية
(العدد 28:... و لاويين3:......)

من يستطيع أن يقبل القصاص من نفسه عوضاً عنا؟
من يستطيع أن يهبنا طبيعة روحية جديدة تتوافق مع قداسة الله؟
من تتوفر فيه الشروط ليفدي كل بني البشر؟
الجواب على هذه الأسئلة و أسئلة اخرى كثيرة هو شخص يسوع المسيح.
اذا تصفحنا حياة كل الأشخاص الذين ظهروا منذ بداية الخليقة و لحد الآن و الى الأبد لا نرى و لن نرى كائن يستطيع أن يفي متطلبات قداسة الله فهو:
1. لم يرث الخطيئة في الطبيعة الأنسانية لأنه ولد من عذراء بقوة الروح القدس
(لوقا 35:1).
2. و عاش كانسان دون خطيئة.
3. كان المسيح انساناً حقيقياً من جنسنا، جسداً مادياً مثل أجسادنا. فقد قال الوحي
’’فاذ قد تشارك الاولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما...‘‘(عبرانيين 14:2).
4. رغم انه كان انساناً حقيقياً، كانت نفسه ملكاً له. فقد قال عنها:
’’ليس احد يأخذها مني بل اضعها انا من ذاتي.لي سلطان ان اضعها ولي سلطان ان آخذها ايضا‘‘(يوحنا 18:10).
و قد برهن عملياً عن صدق شهادته هذه، اذ انه بعدما قدم نفسه كفارة عن البشر و أسلم روحه من أجلهم، استردها ثانية و قام من بين الأموات.
5. كان في امكانه أن يبعث حياة روحية في البشر، ترقى بهم فوق قصورهم الذاتي و تجعلهم أهلاً للتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية الى الأبد، و لن تهلك الى الأبد
(يوحنا 28:10).
قد اختبر المؤمنون به هذه الحياة عملياً في نفوسهم فقد قال الرسول بولس بوحي الروح القدس:
’’لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت.‘‘(رومية 2:8)
6. فضلاً عما تقدم، فقد كان هو ذات الله، و من ثم استطاع أن يكفر عن البشر جميعاً تكفيراً يفي مطالب عدالة الله التي لا حد لها.
7. هو ايضاً الشفيع أو المحامي
’’يا اولادي اكتب اليكم هذا لكي لا تخطئوا.وان اخطأ احد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا.ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا‘‘(1يوحنا1:2-2)



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6