Sat | 2020.Aug.29

معجزة الكتاب


«مُنْذُ زَمَانٍ عَرَفْتُ مِنْ شَهَادَاتِكَ أَنَّكَ إِلَى الدَّهْرِ أَسَّسْتَهَا»

كلنا يعلم أن اليهود ليسوا بالشعب المبدع في مجالات الكتابة والتصنيف، فإننا لا نكاد نعرف مِنْ بين اليهود مَنْ اشتهر بالكتابة والتأليف بخلاف “يوسيفوس”، فإن ثقافتهم شفوية بحتة. وليس هذا فقط، بل إن الرب يسوع نفسه لا يُعرف عنه أنه كتب سطرًا واحدًا بقصد النشر. فما كان ليجول بخاطر أتباعه أو تلاميذه أن يكتبوا إنجيلاً من تلقاء أنفسهم. إنه بعد مولد المسيح بخمسين عامًا تقريبًا، لم يكن قد خُطّ سطرٌ واحدٌ من العهد الجديد وإنما، بعدئذ بترتيب علوي وبوحي من روح القدير وبدون مشاركة بشرية في التخطيط، فإذا برسالة من هنا وسيرة من هنالك، وهكذا أخذ العهد الجديد في النمو إلى أن اكتمل. إلا أنه ينبغي أن نذكر أن ذلك قد تم بدون تخطيط سابق من إنسان أو ترتيب أعد سلفًا. لم يكن كما لو أن متى ومرقس ولوقا ويوحنا قد ضمهم مجلس، وبعد مداولات جدية وقورة وصلوات التماسًا لقيادة الروح، تكفّل متى بالكتابة عن المسيح كالملك، وقال مرقس: أما من جهتي فإني أود أن أكتب عنه كالخادم، وقال لوقا: أما أنا فإني أريد أن أصوره كالإنسان، وإذ بيوحنا يقول: وأنا أرى أن أكتب عنه كابن الله. لم يكن كما لو أن بولس ويعقوب عقدا اجتماعًا يومًا ما، وبعد نقاش وصلاة اتفقا على أن يكتب بولس عن الإيمان، وأن يتولى يعقوب جانب الكتابة عن الأثمار العملية في المسيحية. لم يحدث شيء مثل هذا قط! لا أثر لشـيء من هذا القبيل، وإنما كتب كل منهم منقادًا بالروح القدس ليُعبِّر عن حاجة مُلِحَّة خاصة، أو ليذيع حقًا مجيدًا، إما برسالة أو بمؤلف أو سيرة حياة، وهكذا صار ذلك المزيج من السير المتعددة المجزأة والرسائل المنفصلة مندمجًا في وحدة عجيبة أطلق عليها “العهد الجديد”. حقاً إنه لكتاب عجيب، كتاب سامٍ يفوق الإدراك. كتاب يتعذر إدراك كنهه أو سبر أغواره. إنه معجزة في تكوينه.

كاتب غير معروف



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6