الأولوية الروحية في حياتنا


الأولوية الروحية في حياتنا

 

الدكتور أبو دورام

 

 

الناس دائما يسعون للحصول على الفرح والتسلية والشبع من الأمور الأرضية ولكن يا ترى كم مرة نفكر في الأمور الروحية عندما نواجه المشاكل الصعبة في حياتنا!

دعونا نقرأ اليوم من كلمة الرب التي تغير وتعزي قلوبنا كما جاء في(يو4: 5ـ15)

فَأَتَى إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ، بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» لأَنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَامًا. فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ:«كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ:«كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ».

موضوع اليوم هو{{الأولوية الروحية في حياتنا}}وقال يسوع في المقطع الذي قرأنا الآن للسامرية : «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ» هل يسوع كان يعني أن الماء هنا هو ماء حرفي أو ماء روحي؟، بحسب النص الكتابي كان هناك بالفعل بئر يعرف ببئر يعقوب. يمكنك زيارة البئر اليوم لأنه يقع بالقرب من جبل جرزيم حاليا. وعندما وصل يسوع إلى هذا البئر، كان قد تعب من سفر رحلته الطويلة وخاصة وهو جاء للمكان سيراً على الأقدام، لذا جلس على البئر، وطلب الماء الذي نشربه.

لأن يسوع كان أيضا إنساناً كاملاً والهاً كاملاً. وبصفته الله، من المفروض أن لا يتعب أبداً، ولكنه كإنسان شعر بالتعب. هذه هي الحقيقة أن الله لديه الإمكانية ليأتي أو يتنازل إلى عالمنا ليعيش كإنسان كامل بين الناس. يقول(العدد8) لأَنَّ تَلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَامًا.  وبالتالي يوضح لنا يفسر الجانب البشري من حياة يسوع المسيح وهو أنه تعب، وهو أيضاً السبب الذي جعل الرب يسوع يطلب من السامرية أن تعطيه ماء ليشرب.

يا أحبائي السؤال ماذا كان يقصد يسوع بالماء الحي في كلامه عندما قال للسامرية: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

أولا: الماء الحي الذي يعطيه يسوع لا يقتصر على حياتنا على الأرض بل تستمر الى الأبد.

 وكان تلاميذه قد مضوا الى سوخار ليبتاعوا بعض الطعام، ولكن يسوع  فسر  في (العدد13) الفرق بين الماء بمعناه الحرفي، من بئر يعقوب، والماء الذي يعطيه هو. المكتوب:

«كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ». من هنا نعرف أن المرأة السامرية كانت تعتقد أن هذا الماء ماء للشرب مثل الماء الموجود بالبئر. 

    أما الماء الذي يعطيه يسوع فيروي بالحقيقة، وكل من يشرب من بركات المسيح، ومن مراحمه لن يعطش ثانية. فإحساناته لا تملأ القلب فقط بل، تجعله يفيض أيضاً. وهذا النبع يفيض باستمرار، ليس في هذه الحياة التي نعيشها فقط، بل في الأبدية أيضاً. فالعبارة «يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

تعني أن فوائد الماء الذي يعطيه يسوع لا تقتصر على حياتنا على الأرض، بل تستمر الى الأبد. فإن ملذات وشهوات هذا العالم هي تنتهي وفانية وغير باقية. أما الشبع والغمر الذي يمنحه المسيح فيستمر حتى للحياة الأبدية. في(العدد15) قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:«يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ».  

وبعد سماع يسوع هذا الكلام حول يسوع حديثه من الماء الموجود قي البئر(الذي نشربه) الى الماء الروحي ولكن المرأة السامرية كان كل تفكيرها في الماء الحرفي(الذي نشربه). بصراحة هي كانت ترغب في ألا تعود وتأتي إلى هذا البئر يوميا لاستقاء الماء، ومن ثم نقل هذا الماء إلى بيتها في وعاء ثقيل تحمله على رأسها.  فالسامرية لم تدرك قصد الرب بسبب خطيتها واهتماماتها الجسدية. ولكن الماء الذي حدثها عنه الرب يسوع كان روحياً. وأنه كان يشير إلى كل البركات التي تكون من نصيب النفس البشرية التي تؤمن به.

 

وأيضاً يسوع كان يشير لهذا الماء إلى الروح القدس الذي يعمل في النفوس من أجل خلاصهم من الخطية من خلال شخص الرب يسوع. ونلاحظ اهتمام التلاميذ كان في الطعام ولذلك مضوا الى القرية للحصول على طعام، أما الرب فكان مهتماً بالنفوس. وكان مهتما بخلاص الرجال والنساء من الخطية ومنحهم ماء الحياة الأبدية. يا ترى ماذا عن اهتماماتنا الآن؟

 

يمكننا أن نستنتج من دراستنا لحياة يسوع في هذا المقطع أنه بدلا من يهتم  بإشباع حاجته لكنه وجد من احتياجه فرصة للشهادة، فكان مدخل حديث يسوع المسيح هو مناسب بحسب حاجة السامرية. في(العدد34) قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.

يحاول يسوع مجددا الآن تحويل أنظار تلاميذه من الأمور المادية إلى الأمور الروحية. فطعامه كان أن يعمل مشيئة الله وأن يكمل العمل الذي كان الله قد أوكله إليه. وهذا لا يعني أن الرب يسوع كان يمتنع عن تناول الطعام الفعلي، بل المقصود بالحري هنا هو أن عمل مشيئة الله، كان الهدف الأعظم عند الرب يسوع. وليس اهتمامه بالجسد فقط.

ثانيا: تحتاج  أن تعترف بأنك خاطيء قبل أن يتسنى لك اختبار الخلاص.

كيف كان يسوع يتحدث مع المرأة السامرية مِن خلال احتياجاتها كما في(العدد9) فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ:«كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟». لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ.  

لقد اختار يسوع أن يتجاهل هذه المسألة التي أثارتها المرأة السامرية والتي هي مثيرة للخلاف والتي تسبب مشاكل.

يا أحبائي، يجب علينا أن نبتعد عن كل مناقشة وأسئلة تسبب مشاكل للناس وخاصة ونحن نقدم لهم يسوع المسيح المخلص، وأيضاً علينا أن نركز على الأسئلة المهمة وخاصة التي تقوده لشخص الرب، وأيضاً هناك أسئلة مش مطلوب أن نجاوب إذا كانت هذه الأسئلة تبعدنا عن الهدف الأسمى لخلاص النفوس.

فالرب يسوع هنا في قصة السامرية هو مثالنا في كيف نبدأ الحديث! ومن أين نركز على الحديث! وكيف نحترم الأشخاص ولم يدخل في أمور تجعل الآخرين ممكن يتضايقوا.

ماذا قال شخص الرب يسوع في(العدد16) قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا» ما السبب الذي جعل يسوع يحول حديثه إلى هذا الموضوع؟ بصراحة هذا الموضوع هو الأهم في حياة هذه المرأة وهي بحاجة تحتاج أن تعترف بأنها خاطئة قبل أن تحصل على الخلاص.

وبناءً على هذا الاعتراف الصادق من السامرية بخطاياها تقدر أن تقبل إلى المسيح بتوبة صادقة، معترفة له بذنبها. والرب يسوع كان يعرف كل شيء عن حياتها التي عاشت فيها وعن ماضيها الأسود لأن يسوع جاء للخطاة لكي يغيرهم ويحررهم من الخطية ويخلصهم ويعطيهم حياة أبدية.  

 

ثالثا: الرب عنده خطة للانسان ولا تمنع الاختلافات الدينية والصعوبات الثقافية الوصول إلى النفوس الضائعة الخاطئة.

يقول لنا الروح القدس في(يو4: 4) وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. وعلينا أن نفهم أن الاعتبارات الجغرافية ليست هي التي أرغمته على ذلك. بل إنما تصرف بسبب وجود نفس محتاجة في السامرة. وكان بإستطاعته مساعدتها. فاختار يسوع المسيح هذه الطريق إلى السامرة لكي يصل إلى الناس المحتقرين، فابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالكين ويخلصهم(لو10:19).

الرب يسوع عنده خطة للانسان لكي يخلصهم(يو4: 4) وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ.  ونرى النتيجة الرائعة عندما كسر الرب يسوع الحاجز الجغرافي(يو4: 39، 40، 41) فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ:«قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ.  فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ.  فانتشرت رسالة الإنجيل في السامرة كما مكتوب في(أع8: 5) أن فِيلُبُّسُ نزل إِلَى مَدِينَةٍ في السَّامِرَةِ وَبدأ يبشر فيها بِالْمَسِيحِ، والنتيجة(أع8: 14)أن الرسل سمعوا في أورشليم أن السامرة قبلت كلمة الرب.

وبطرس ويوحنا يبشران قرى كثيرة في السامرة(25:8). والاختلافات الدينية والجغرافية والصعوبات الثقافية لا تمنع يسوع الوصول إلى نفوس الخاطئة. كذلك يسوع يعرف المحتاجين ويصل إليهم ويسدد حاجاتهم فنحن كتلاميذ المسيح نحتاج إلى أن نذهب للمحتاجين ونسدد احتياجاتهم.

 

 ونرى في(العدد23) وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.  يجب على العابدين أن يعبدوا بالروح والحق لأن اليهود جعلوا العبادة تقتصر على الشكل الخارجي والطقوس وكانوا يعتقدوا أنهم يتمسكوا بحرفية الناموس، ولكن عبادتهم لم تكن بالروح، بل كانت خارجية، لا داخلية بالقلب.

 

 وكان السامريون يمارسون عبادة طقسية ويمارسون فرائض من اختراعهم، لذلك أكد الرب بقوله ان السجود يجب أن يكون بالروح والحق. وبخ يسوع في الواقع كلا من اليهود والسامريين لأن عبادتهم لم تكن بالروح. فالله مهتم بعبادة شعبه له. فهل يحصل مني على هذه العبادة؟ كما تجد كلمة "لابد"(يو4:4) تجد الكلمة "ينبغي" في(العدد24). من هنا نستنتج أن العبادة الحقيقية تتم فقط بالروح والحق. وكذلك لن يخلص الخطاة إذا لم نشهد لهم برسالة الإنجيل(رو14:10)

 

يسوع هو الحق(يو3: 21، 6: 14)والطريق الوحيد للآب(أع 12:4)، والعبادة بالحق تعني عبادة الله من خلال المسيح. والعبادة بالروح هي عبادة بحسب البعد الروحي الجديد الذي أعلنه الله لشعبه. ويفتش الآب عن الساجد الحقيقي لأنه يطلب من الشعب أن يعيش بحسب الحق . 

 

العبادة الحية تجعل أولويتنا أمور روحية  كما فعل الرب فنعبد الرب بالروح والحق وهذا يجعل الكنيسة تنمو روحيا.آمين.

 



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6