العظة الرابعة - البركة المخفية وراء الآلام


العظة الرابعة

4. البركة المخفية وراء الآلام

عندما كنت أخدم في إحدي الدول العربية وجدت بعض الأخوة السودانيين وهم بحاجة إلى صوبات تدفئة بسبب البرد الشديد، وقد استخدمني الرب لتسديد هذه الحاجة. لذلك نجد أن الحياة مليئة بالآلام والصعوبات، ونجد أيضاً أن معظم الآلام ليست بنفس المستوى الذي يمر به كل مؤمن في هذه الحياة. البعض ينظر أو يشعر بالآم بصورة مختلفة عن الآخر، فالذي يكون مؤلم لك ربما يكون أكثر الآماً لغيرك، وفي كل الأحوال مطلوب منك أن تشعر مع الآخرين. 

فدعونا ننظر معا إلى حياة أيوب ونوعية الآلام التي مر بها واختبرناها في حياتنا اليومية، ونحاول أن نكتشف البركة المخفية وراء الآلام. يشهد الكتاب المقدس في(أي1: 1)ويقول:" كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ.

وكان أيوب غني جداً(أي1: 3)فَكَانَ هذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ. والأرجح أن أرض "عَوْصَ" تقع الى الشمال الشرقي من فلسطين، بالقرب من الصحراء بين دمشق ونهر الفرات. فهو عربي الأصل. سفر أيوب هو أول الأسفار الشعرية في التوراة العبرية ويعتقد كثيرون أنه أقدم أسفار الكتاب المقدس.

افرض أن أحدهم جاء اليك وسألك: "إذا كان الله عادلا ومحبا، لماذا هنالك كثير من الآلام في العالم؟ لماذا نختبر الآم الحياة كما اختبرها أيوب، يوما بعد يوم، بدون أجوبة كاملة لتساؤلات الحياة". لكن السؤال، هل تثق، مثل أيوب، في الله مهما كانت الظروف أو تستسلم للتجربة وتقول ان الله لا يبالي!

(رو8: 28)وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. وهذا يشير الى أن الله يستخدم حتى الآلام للخير في حياتنا. وليس معنى هذا أن كل ما يحدث لنا هو خير، فالشر هو السائد في عالمنا الساقط في الخطية، لكن الله قدير ومسيطر. وهذا الشيء الأهم، علينا أن نتذكر أن الآلام تفقد كل معانيها إذا كان الله ليس هو المسيطرعلى كل شيء. لذلك دعونا نرى معا البركة المخفية وراء الآلام.

أولا، إن الآلام تنقي حياتنا

ثانيا، إن الآلام تعلمنا الطاعة لله

ثالثا، الآلام تعزز علاقتنا مع الآخرين

أولا، إن الآلام تنقي حياتنا

هل نحن مثل أيوب نبقى أمناء في وسط الآلام؟ الآلام ليست مؤشرا على أن هناك شيء خطأ، فمثلا: التحرك من حياة الفشل والاحباط لحياة النجاح والرفعة تتطلب شيئاً من الآلام. وهذا ينطبق على الرياضيين وأيضا على المؤمنين. الله يسمح للآلام لكي تأتي الى حياتنا كفرصة للنمو والنضوج الروحي كردة فعل إيجابية هذه الآلام. ولكن الشيطان يسعى بأن يجعل من الآلام عائقاً وفشل لكي يتوقف نموناً الشخصي مع الله نتيجة لضعف ايماننا . الله يريد أن يبني وينمي شخصيتنا من خلال الآلام، بينما الشيطان يريد أن يدمرها. فالآلام تعمل على تنقية وتزكية وتطوير وجهة نظرنا عن الله.  فقال أيوب في(أي1: 21ـ22) وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا». فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ  ِللهِ جِهَالَةً.

  ففي بداية قصة أيوب مِن الواضح أن الله كان الكلي السيطرة، أما الشيطان فانه لا يستطيع أن يعمل شيئا بدون إذن من الله. ومع ذلك ففي نهاية السفر هناك دليل على أن أيوب عليه أن يتعلم شيئا آخر عن الله. وهو أنه عرف الله بشكل أفضل بكثير بعد تجربة الآلام التي مر بها.  فالآلام ليست تنقي نظرتنا لله فقط، ولكنها أيضا يمكن أن تستخدم من قبل الله لكي ينقي إيماننا وشخصيتنا، فعلينا نتقبل الآلام كجزء من تدريبنا.

 ثانيا: إن الآلام تعلمنا الطاعة

نجد أن أصدقاء أيوب الثلاثة تعلموا بأن هناك أسباب أخرى للآلام غير الخطية. نحن نعرف بأن عدم الطاعة في بعض الأحيان هو سبب آلامنا، وفي العهد القديم كانت البركات تأتي كنتيجة الطاعة والآلام كنتيجة لعدم الطاعة.

فقال أيوب لزوجته في(أي2: 9ـ10) فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!». فَقَالَ لَهَا: «تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟». فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ.

أحياناً الله يستخدم الآلام لكي يجعل الناس ينتبهون لخطاياهم. ولكي يرجعوا عنها. والروح القدس يظهر لنا خطايانا ، فنحن بحاجة الى التنبيه. ونحن بحاجة الى أن نتبع مثال أيوب في قوة الاحتمال والصبر. لقد كان أيوب يهتم بطاعته لله أكثر من أن ينظر الى الآلام ويستسلم لها. ويسمى الشيطان بالمشتكي لأنه يجول بحثاً عن أناس ليهاجمهم بالتجربة، وكل إنسان مكرس لله، عليه أن يتوقع هجمات الشيطان. الشيطان الذي يكره الله، يكره أيضا شعب الرب.

     هل تأتي الآلام أو المتاعب دائما من الله؟ كلا. ليس الأمر كذلك دائما. الله وحده هو الذي كان يعرف الهدف من آلام أيوب، وهو أيضاً لم يتخل عن الله حتى في وسط الآلام، لم يضع أبداً رجاءه في خبرته أو حكمته أو أصدقائه أو ثروته. كانت أنظارأيوب مركزة على الله فقط.

في مثالنا الأعظم للآلآم هو شخص الرب يسوع(عب5: 8) مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ.  

ثالثا: الآلام تعزز علاقتنا مع الآخرين

 الآلام تعزز علاقتنا مع الآخرين عندما نقف معهم في ضيقاتهم، ومن خلال تشجيعنا لهم وتعزيتنا كما فعل أصدقاء أيوب(أي42: 10ـ11) وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا. فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ، وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ، وَرَثَوْا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ الشَّرِّ الَّذِي جَلَبَهُ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطًا مِنْ ذَهَبٍ.

(في4: 12) أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ.

والآلام تكون مطلوبة منا لكي نفتح أعيننا على حقيقة أن هناك أهمية لعلاقتنا مع الآخرين، ومن خلال الآلام تنمو علاقتنا مع الآخرين الذين أهملناهم في حياتنا. لذلك نجد أن الآلام تصير قنوات الاتصال مع الآخرين وتزداد فرص الخدمة أمامنا.

وعندما نشارك الآلام مع الشخص الآخر من خلال صلواتنا وتشجيعنا، ونحن بذلك نمارس أعلى درجة الاتحاد المسيحي مع الآخرين. وحينها ننال البركات المخفية وراء الآلام(مز 133)هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!

دعونا ننظر من حولنا لنرى الذين يختبرون الآلام الآن ونقف معهم.

أنا أدعوك بأن تفرح في كل حين بالآلام لأن هدفها تنقية حياتك؟

أنا أدعوك أن تجعل من الآلام وسيلة لتساعدك أن تطيع الله.

أنا أدعوك أن تعزز علاقتك مع الآخرين من خلال الآلام وتشاركهم وتشجعهم.



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6