سفر راعوث-الطريق إلى العودة


سفر راعوث-الطريق إلى العودة

 

ب . الطريق إلى العودة :

 

  

فتح الباب لعودة عائلة أليمالك إلى بيت لحم(را 6:1).

 

 6فَقَامَتْ هِيَ وَكَنَّتَاهَا وَرَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ، لأَنَّهَا سَمِعَتْ فِي بِلاَدِ مُوآبَ أَنَّ الرَّبَّ قَدِ افْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزًا.

 

ومجرد أن سمعت نُعمِيِ أن الرب افتقد شعبه ليعطيهم خبزاً، هي وكنتاها رجعت من بلاد موآب إلى بيت لحم. كون نُعمِيِ سمعت،  فهذا يُعني خبراً ساراً وجديداً لها. ونحن نلاحظ عبارة "أن الرب افتقد شعبه" فهذا بحد ذاتهِ خبراً ساراً، ونحن نعرف أن الخبر السار هو"الإنجيل"، فأي شخص خاطئ يسمع الخبر السار عن الإنجيل، يعتبر نقطة البداية للانطلاق لأجل نوال البركة. أما المؤمن فهو يعرف البركة والنعمة الإلهية من قبل. ولكن المشكلة دائماً، هي عدم الإعلان عن هذه البركة. في الواقع نحن نعرف كمؤمنين، ولكن المشكلة تكمن في الإعلان كشهادة عن هذه النعمة.

 

 

1.  افتقاد الرب

أن يفتقد الرب شعبه الذي اختاره لنفسهِ تُعتبر صفة من صفات الله. فالأباء أحياناً يضربون أبنائهم عندما يخطئون، كتأديب لهم، ولا يَعني هذا التصرف أنهم لا يحبونهم. فالله يؤدبنا ويعود يفتقدنا باستمرار وهذه هي محبة الله. أسألك ما الفرق بين المؤمنين وغير المؤمنين؟ إن المؤمنين هم تحت افتقاد الله. فبعض المعتقدات والأديان الأخرى تضن أن الله عبارة عن شخص جالس على كرسيه العالي ويحصي علينا كم فعلنا من شرور، وبالتالي هو يعاقبنا. ولكن إلهنا الذي نختبره، لا يفعل هذا كما قال كاتب المزامير عن الله (مز8:183)

"هو رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة". فالشعب بعد خروجه من أرض مصر تحت قيادة الله، ودخوله أرض كنعان، كانت له أيام صعبة وقاسية في أوقات الجفاف(عدم سقوط الأمطار)، لعدم قدرتهم على زراعة القمح والخضروات.

ولكن ماذا يقول الكتاب عن هذه الأرض:"أرضٌ يعتني بها الرب"(تثنية 14:11). "أعطي مطر أرضكم في حينه المبكر والمتأخر، فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك". فبالرغم من أنّ هذه الأرض جرداء، فالله يعتني بها فما زالت أرض فلسطين تأتي معونتها من الرب الذي يهتم بها. كيف تستمر حتى الآن؟ وكيف قطعت هذا الشوط الكبير؟ لأنّ الرب يفتقدها. فالكنيسة لن تدمر إلى الأبد؛ مع أن أي مؤسسة بشرية معرضة للخسارة والتدمير.(أف 29:5)"29فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَة"ِ.

 

 فالرب يعتني بكنيسته. فمن الواضح أن هناك فرقاً كبيراً بين المؤمنين وغير المؤمنين لأن الله يفتقد أبنائه(تكوين 1:21) .

 

"1وَافْتَقَدَ الرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَفَعَلَ الرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمًَ".

فالولادة تمت بسبب افتقاد الله لها. وفي(لو 48:1) "48لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي". فالله يحفظ مريم ولذلك فهي تعظم الرب، وتبتهج به. فهذه هي سمة من سمات الله، بأنه يعتني بأولاده، والرب يُعطينا الطعام في حينه(مز 15:145).

 

"15أَعْيُنُ الْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِه"ِ. ويحفظ الرب كل محبيه ويهلك جميع الأشرار. فهو الذي يشبعك من دسم الحنطة (مز 14:147). وأيضاً يقول كتاب الترانيم في كوريا:

 

" الرب ينزل نعمته ويفتقدني دائماً وهو يتمجد معي باستمرار".

 

وأيضاً الكتاب المقدس في( امل 17: 1-7) يبيَن لنا كيف كان الرب يفتقد إيليا عند نهر كريت، من خلال الغربان. فهي كانت تأتي إليه بخبز ولحم صباحاً ومساءً، وكان يشرب من النهر، فالرب أراد أن يشجع إيليا بافتقاده له. وكأنه يريد أن يقول له لا تفشل ولا ترتخِِّ قواك. فالله يفتقدنا، وبخاصة في الضيقات والتجارب، لأننا أبناؤه المختارون. فمن كل هذا نستنتج أن الرب يعتني بالأرض والطبيعة معاً. فيخرج ثماراً جميلة من الأرض. وهو أيضاً يفتقد شعبه، وهذا يعطينا سلاماً في العائلة. فكلما افتقدنا الله فنحن ننال نعمته؛ وهذه النعمة، تكون معنا للأبد.

 

  

        2.  حنين نعمِي.

 

سماعها للخبر السار:

 السبب لرجوع نُعمِي هو سماعها بالخبر السار، بأن الله أفتقد شعبه. ولأن بيت لحم وأرض موآب ليست بعيدتين عن بعضهما، فمن السهل أن تسمع بالأخبار. فالدرس الروحي المستفاد هو: إننا قد تقابلنا مع الرب يسوع، وآمنا به، وحصلنا على نعمة الخلاص فيه، بينما بجوارنا جيران لم يسمعوا عنه بعد ، فهل لدينا الشوق لكي نتحدث معهم عن هذا المخلص؟ فالإيمان يبدأ بسماع الخبر السار،لأن المسيحية هي حياة توصلنا إلى السماء(إش 7:52).

 

7مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ!» وأيضا في(روم 17:10) 17إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ."

          

 فعلينا أن نكرز بكلمة الله أي بإنجيل المسيح. لأن عدم وجود مبشرين، يَعني أن الآخرين يحرمون من ان يسمعوا عن رسالة الإنجيل. وبالتالي لن يحصلوا على نعمة الخلاص. فلذلك نحن نقول إن ملكوت الله يبدأ بالخبر، فعلى كل واحد من جيراننا أن يسمع بهذا الخبر السار. ولكن هناك عقبات لدى الآخرين فلا بد أن تُفتح الآذان المُغلقة لتسمع هذا الخبر السار عن ملكوت الله من خلالنا.

إن الهالكين لديهم ذهن أعمى وأذان مُغلقة، فهم لا يستطيعون أن يسمعوا هذا الخبر. وإذا كان هناك شخص أذناه مفتوحة بالتالي ستكون له البركة. فعندما سمعنا عن الخبر السار، وانكشفت أمام أعيننا كل الشرور والآثام التي ارتكبناها في حياتنا، وأدركنا كم نحن خطاة وإن مصيرنا هو الجحيم ، ورأينا العمل الفدائي الذي عمله الرب يسوع على الصليب من أجلنا ، وقبلنا موته الكفاري عنا ، فالنتيجة أن الرب قد أصبح في حياتنا كرب وكمخلص. فالشخص الذي تكون أذناه مغلقتين، فحياته أيضاً مغلقة. فلذلك يجب على كل إنسان أن يتجاوب مع عمل نعمة الله، وتبكيت الروح القدس له لكي ينال الخلاص بالتوية وطلب الغفران من الرب، وأن يطيع كلمة الله.

 

 فبعد أن سمعت نُعمِيِ الخبر عن بيت لحم، وافتقاد الله لشعبه، خطر على بالها أن ترجع إلى موطنها وكذلك هذا الخبر كان رائعاً بالنسبة لراحاب:

 

"10لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ الرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَمَا عَمِلْتُمُوهُ بِمَلِكَيِ الأَمُورِيِّينَ اللَّذَيْنِ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ: سِيحُونَ وَعُوجَ، اللَّذَيْنِ حَرَّمْتُمُوهُمَا"(يش 10:2).

 

 ولذلك ساعدت جواسيس شعب إسرائيل، وبالتالي أنقذت نفسها وعائلتها، بينما كل مدينة أريحا دُمرت. فالكنيسة تعرف الخبر السار، وهو خبر الخلاص. فنحن مرسلون من الله لكي ننشر هذا الخبر، وكلنا رسل للمسيح ورسالتنا هي الإنجيل.

تقول الترنيمة الكورية لنا:

 

" نفرح بمجيء المخلص، قومي يا جميع الكنائس لكي نستقبله، نفرح به لكي نسبحه ونسبحه ونسبحه ".

 

قد أخبرت الملائكة الرعاة عند مجيء الرب يسوع لأرضنا ، وهذا هو الخبر السار. فلذلك نحن نقول إن المسيحية تُعلن الخبر السار، ولكن الأرواح الشريرة دائماً تُعطل إعلان هذا الخبر وتحاربنا بالفشل واليأس، فهي تزودنا بالخبر الذي يؤذي أرواحنا وأجسادنا. فإذا كنت قد سمعت عن الخبر السار، فلا بد أن تخبر به الآخرين. وليس بالضرورة أن تخبرهم أخباراً سيئة كالتي تحدث حولنا من حروب أو مجاعات أو عن المشاكل التي يسقط فيه الآخرين، لأن العالم ينقل الخبر السيئ بسرعة، فهذا من طبيعة الإنسان الساقط، فهو يحب الخبر السيئ فلذلك تجد مثل هذه الأخبار السيئة في المجلات والجرائد طوال اليوم، لأن العالم لا يمتلك الخبر السار. لو قرأت العهد القديم فستجد الغلام المقتول بسبب نقله خبر موت شاول لداود(2صم 15:1).

 

 15ثُمَّ دَعَا دَاوُدُ وَاحِدًا مِنَ الْغِلْمَانِ وَقَالَ: «تَقَدَّمْ. أَوْقِعْ بِهِ».فَضَرَبَهُ فَمَاتَ".

 

فالإنسان يقسم إلى نمطين وهما:  

  1. نمط داود الذي لم يحب الخبر السيئ عن موت شاول، والذي أتى به المخبر. بالرغم مما فعلهُ شاول بداود، فإن حالته كانت حزينة بسبب موته وحزنه كان صادقاً ومن القلب، وحتى أنه ندبه أي بكى عليه،  وقال فيه وفي ابنه يوناثان الذي كان صديقاً وفيا وأميناً لداود، مرثاة جميلة جداً في (2صم17:1-27) وقال في نهايتها : ".... كيف سقط الجبابرة وبادت آلات الحرب". فالرب رأى قلب داود تجاه موت شاول. فالدرس الروحي الذي نتعلمه هو موقف المؤمن تجاه الآخرين وأيضاً نحو الله. 
  2. هناك نمط شاول، وهو عكس داود فهو كان يفضل أن يسمع الأخبار السيئة عن داود، بسبب كراهيته له، عن طريق إرسال جواسيس يتتبعون خطوات داود. فلذلك استمرت ملاحقته له. فكانت النتيجة أنه لم يكن باله مرتاحاً، بل دائماً مضطرباً بسبب داود.

فالدرس الروحي الذي نتعلمه هنا هو أن لا ننتظر أن نسمع نحن المؤمنين أخباراً سيئةً عن الآخرين (تك 11:8).

 11فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ".

 

وهذه الآية تعني أن الكارثة انتهت وبدأ عصر الرجاء الجديد. الخلاصة من هذا الموضوع هو: أن الخبر المفرح والخبر السيئ موجودان معاً عند الإنسان، وأيضاً إذا مضت الأخبار السيئة، تأتي الأخبار السارّة. ولكن إذا كان المؤمن يسمع الخبر السيئ دائماً، فسوف  يحدث لديه  ضعفاً روحياً، وقلبه يتجه إلى الاتجاه السلبي، ونظرته للآخرين تكون سيئة. على كل مؤمن أن يسمع الخبر السار كما يقال "إن المسيحية هي رسالة الأخبار السارة" والذي يسمع هذا الخبر السار يتبارك. وفي أيام الرب يسوع قالت له امرأة (لوقا 11: 27): 

 

27وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهذَا، رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَوْتَهَا مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَتْ لَهُ:«طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا». ولكن رد يسوع المسيح( لوقا 11: 28) 28 أَمَّا هُوَ فَقَالَ:« بَلْ طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ».

 

إذن الإيمان يبدأ بالخبر. فأي شخص يسمع ويقبل ويطيع كلام الله تأتي نعمة الله إليه. فأي شخص يستمع لكلمة الله عن طريق الوعظ أو من خلال كرازة شخص مؤمن له أو من خلال زيارة أو نبذه أو قراء ته لكلمة الله، ويقبل وينكسر ويتوب أمام الله، فإن المعجزةً التي ستحدث في حياته ستكون عظيمة جداً، سوف يحصل على غفران كامل لكل خطاياه، سيصبح ابنا لله كما في (يوحنا12:1و13)، سوف يتغير القلب والفكر، ستتغير نظرته للعالم وللناس من حوله، سيحصل على ضمان للحياة الأبدية، وأيضا سيكون هناك حلول للمشاكل التي تواجهه من خلال فتحه لأذنيه لسماع كلمة الله وقبولها في قلبهِ. فنُعمِيِ سمعت الخبر السار، وأيضاً سمعت عن أن الله افتقد شعبه وأن فترة الجوع قد انتهت، وجاءت مواسم الخير. فعلينا أن نسمع للخبر السماوي السار كل يوم من خلال كلمة الله.

 

 

إدراكها الروحي:

         كان إدراك نُعمِيِ الروحي متأخراً، بعد أن تركت بيت لحم وتألمت. وبعدئذٍ عرفت قصد الله، وبالتالي تابت وندمت واتجهت إلى الله. فالشخص الذي يريد أن يكون أنانياً في تمجيد ذاته، لا يحصل على مجد الله في حياته، ولكن الشخص الذي ينكر ذاته، ويحمل صليبه ويسير بموجب كلمة الله، فهو ينال نعمته.

إذا كان قرارك روحياً، فلن تكون هناك خسارة، ولذلك يجب أن تُدرك الأمور الروحية. فنجد رجوع نُعمِيِ وراعوث معها وقد نالتا نعمةً من الله. فأي مؤمن يأتي إلى بيت الله ويداه مفتوحتان فالرب يباركه بركات جزيلة لا تُحصى.

 

فنحن بالإيمان نسير إلى الأمام، دون أن تؤثر علينا هذه المشاكل. ولكن حينما نعتمد على أفكارنا الجسدية، هنا تعتبر أم المشاكل. قد يكون الجسد متمتعاً بصحة كاملة، بينما هناك مشكلة روحية في القلب، خطيئة ما يتمسك بها الشخص، كالكبرياء أو خطيئة الشهوة تجاه الجنس الآخر أو خطيئة السرقة ..إلخ. قد يفقد هذه الصحة الجسدية. ولن يشعر براحة أو فرح أو سلام في حياته، وأحياناً يكون العمل على ما يرام، ولكن العائلة لديها مشاكل. نستنتج مما سبق أنّ المؤمن الذي يسلك بحسب مشيئته بدون الله، لا يحصل على اتزان في حياته الروحية. كالشبكة التي تلقى في البحر لصيد الأسماك. فحينما تدخل الأسماك داخل الشبكة، يمسك الصياد بالطرف الذي دخلت منه وبالتالي فهو يضمن وجودها. هكذا نحن أيضاً، حينما يمسك الله زمام الأمور، ستكون حياتنا في أمان، رغم المشاكل التي تواجهنا.

 

 

 اشتياقها إلى أرضها:

تعتبر نُعمِيِ نفسها مميزة، لأنها من شعب الله المختار. فكان قَلبها في شوق إلى بيت لحم، رغم وجودها في أرض موآب. فالشعب المخصص للرب، تكون أفكاره مختلفة عن أهل العالم. فأحياناً كثيرة، نرى غير المؤمنين يستهزئون بأولاد الرب، الذين يذهبون إلى بيته ويرون كنيسته مزدهرة. فهم لا يفهمون ما الذي يحدث في الكنيسة من انتعاش روحي لها، ولكن بعضهم يشعر أنه هناك شيئاً مميزاً يجذبهم. فبالتالي إنّ ما يقولونه عن المؤمنين، يوحي لنا بأنهم شعب مخصص للرب. فهذا الشعب يختلف في امتيازاته وحصوله على البركة عن الآخرين الذين ما زالوا بعيدين عنه، لأن قلوب المؤمنين ملتهبة بالرب، ولديهم توقع روحي بأنهم سينالون بركة روحية من لدنه.

 

 

 تركها موآب وعودتها إلى بيت لحم:

عاشت نُعمِي في موآب عشر سنوات، وتعتبر فترة طويلة بعيدة عن الشركة مع شعب الرب، ولكن عودتها توحي برجوعها إلى الرب. لذلك علينا نحن أيضاً أن نترك حياتنا العتيقة، أي طبيعتنا القديمة، ولا نتردد في الرجوع من كل القلب للرب، فبدونه لا نستطيع أن نحصل على نعمته، أي على الرضا الإلهي منه.

 

يطلب الرب من أولاده، أن يتخذوا قراراً إرادياً، حتى يتحولوا من تأثير الطبيعة القديمة إلى الحياة الجديدة. فيجب علينا أن نقطع كل ما يربطنا بالماضي، ونتقدم نحو الحاضر. فنعمِي انتقلت من موآب إلى بيت لحم، وهي خطوة مهمة في حياتها لكي تحصل على الميراث الأبدي. فعندما خرجت من موآب، كانت حالتها سيئة للغاية. وبعد وصولها إلى بيت لحم، فاضت عليها البركات. فكل مؤمن يأتي أمام الله، فإنّ الله يغير قلبه، ويعطيه بركة لحياته.

وتقول الترنيمة الكورية:

 

" يا إلهنا: أنا آتي إليك وَيَدايَ مفتوحتان. أنا آتي إليك بقلب منكسر، لأنك سفكت دمك الغالي لتغسل خطاياي ".

  

3.  أسلوبان للتفكير بحسب شخصيات القصة:

 

           12وَإِنْ قُلْتُ لِي رَجَاءٌ أَيْضًا بِأَنِّي أَصِيرُ هذِهِ اللَّيْلَةَ لِرَجُل وَأَلِدُ بَنِينَ أَيْضًا، 13هَلْ تَصْبِرَانِ لَهُمْ حَتَّى يَكْبُرُوا؟ هَلْ تَنْحَجِزَانِ مِنْ أَجْلِهِمْ عَنْ أَنْ تَكُونَا لِرَجُل؟ لاَ يَا بِنْتَيَّ. فَإِنِّي مَغْمُومَةٌ جِدًّا مِنْ أَجْلِكُمَا لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيَّ ( را 1: 12ب، 13).

 

يقصد الكتاب المقدس من خلال هذه الكلمات، أن نُعمِي تحتاج إلى وقت طويل. بمعنى أن اليهود لا يحبون الأممين لأنهم كانوا يحتقرونهم. وأيضاً نعرف أن تقاليد اليهود في ذاك العصر، إذا الأخ الأكبر تزوج ومات، فالأخ الأصغر يأخذ زوجته والمولود الأول يُسمّى على اسم أخيه الأكبر، لكي يقيم له نسلاً، وهذا ما نادت به الشريعة(تث 5:25).

 

إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، فَلاَ تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُل أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ.

  

      ولكن نُعمِي صارت في سن الشيخوخة، لا تستطيع أن تلد. ولو أنها ولدت، فهو يحتاج إلى وقت طويل ليكبر. ولذلك طلبت نُعمِي من كنيتيها، أن َترجِعا إلى أهلهما وإلى موطنهما. فنجد أن عُرفة قبلت بهذا الاقتراح، فهي قَبّلت حماتها ورجعت إلى بلادها.

          ولكن ماذا قالت راعوث في(را 16:1). 16فَقَالَتْ رَاعُوثُ: «لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي. فالمقصود من كلام راعوث، أنها التصقت بحماتها ولن يفرق بينهما شيء إلاّ الموت. ومن خلال هذا الموقف، موقف عرفة وراعوث، يوجد نمطان:

 

  أولاً: أسلوب عُرفـة.

 

ليس لديها رجاء روحي:       

المؤمن لديه رجاء روحي حي. وأيضاً شعب الله لديه هذا الرجاء في الحاضر والمستقبل. فراعوث مات زوجها، وستذهب إلى أرض غريبة لا تعرفها، ولكن لديها رجاء. يقول الفيلسوف الشهير "أسبينوزا" 1936 – 1977:   "إذا كانت الأرض ستدمر غداً، فأنا اليوم أزرع شجرة تفاح واحدة" وهذا الفيلسوف ليس مؤمناً، ولكن لديه رجاء. فالمسيحي الاسمي لا يوجد لديه رجاء، ولكنه يرى ما أنت تفعله فقط. فإذا أتت عليه المشكلة يسقط، ولكن المؤمن ينظر إلى فوق، ولذلك فهو لا يفقد رجاءه. وراعوث أيضا لا تشعر بخيبة الأمل، بالرغم من كلمات نُعمِيِ التي لا يوجد فيها رجاء. بل لم تستسلم مثل عُرفة. فكل مؤمن لديه رجاء أمام الله، فأنا أؤمن أنه سينال بركة من الله.                                       

                    

 

ليس لديها نظرة مستقبلية:

     "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى"(عب 1:11)، ولكن عُرفْةُ ليس لديها نظرة مستقبلية، فهي لا ترى البركات المخفيّة عنها بالرغم من أن بركات الرب غير محدودة. ولكن راعوث كان لديها نظرة إيمانية نحو المستقبل، بالرغم من أنها أممية. وأخيراً فقد كان لها الشرف في نسب المسيح. وهذه هي المعجزة الإلهية الأعظم في حياتها. فالله كانت لديه نعمة غنية، ولكن هذه النعمة أعطيت لراعوث. وهناك ترنيمة كورية تقول:          

          

أنا أمشيُ بالإيمان، بالرغم من أنني لا أرى بعيوني معالم الطريق. وأنا أصدق مواعيد الله، بالرغم من أنني لم أسمع صوت من قبل. فأنا أثق بالله حسب اختباري، مهما تكن الظروف من حولي، فالرب يكمل إرادته حينما أسير معه بلا شك. يدعنا نسير في طريق الإيمان بدون شك. يدعنا نسير بالإيمان مع أننا لا نرى بالعيون ولا نسمع بالأذن "

 

مَنْ الذي لا يُولد من الروح القدس؟ فهو مثل البذرة التي سقطت بين الأشواك. وهؤلاء قد يخدمون في الكنيسة ويبكون في بعض الأحيان. ولكن هموم العالم وشهوة الأموال، سلبت هذه الثمار(يبقى بدون ثمار). فهؤلاء يركزون على الأمور الجسدية ويعبدون سيدين. وهذه النوعية من المسيحيين يكونون كفرقة في داخل الكنيسة. ولكن نحن نقول، إن الله من يختار بين هؤلاء، وينقيهم كالعشب الذي بين النبات. وأخيراً فهؤلاء لا يستطيعون الوقوف أمام الله، وأيضاً لا يقدر ان يستخدمهم. يا إخوتي لا بد أن يكون لدينا انتصار على كل ضعف، وفي كل حرب روحية نتطلع إلى حماية الرب لنا، وننظر إلى المستقبل ونرتجي ما لا يرى.

 

 

كانت ميولها جسدية:         

حياة الإيمان تواجه صعوبات، وليس بالضرورة أن تكون الأمور على ما يرام دائماً. ولكن هذه الصعوبات تصنع من المؤمنين شخصيات ناضجة. من المفروض على جميع المؤمنين أن يجتازوا البرية، وهذا ما نجده في تاريخ شعب إسرائيل ولم ينجحوا، وبالتالي لم يدخلوا الأرض التي وعد الله بها، إلاّ كالب بن يفنّة ويشوع بن نون. وكثير من المؤمنين لا يواجهون الصعوبات مباشرة، بل نجدهم يهربون منها. ولذلك لا يختبرون نعمة الله، التي تظهر في أوقات الصعوبات. بعكس راعوث التي واجهت كلام نُعمِيِ الذي كان فيه خيبة أمل. ومع ذلك فقد تغلبت عليه بإيمانها. مثل زراعة الشعير، فعندنا في كوريا تتم زراعته في شهر تشرين الثاني من السنة وبعد مرور فصل الشتاء عليه سواء بالأمطار أو بالثلوج، نجده ينمو وفي فصل الربيع  تبدأ السنابل بالظهور، التي يوجد بها حبات الشعير، ثم ينضج وأخيرا يحصد في فصل الخريف. وهكذا تكون حياة الإيمان لكل واحد فينا، حياة فيها نِمو من خلال الضيقات والمحن، وفي النهاية الثمار.

فقلب الله الآب يفرح بثمار المؤمن، كما الفلاح الذي يفرح بتعب ثماره. وفي الكنيسة أيضاً نجد أشخاصاً مثل نعمِي، دائماً لديهم كلمات فيها خيبة أمل، ولكن هذه الفئة هي التي لها إيجابيات. فهي تجعل المؤمنين الآخرين يثبتون في المسيح، مثل موضوع الخراف والجداء. فنحن نعلم أن الجداء بطبيعتها تحب الركض، وعندما تجتمع مع الخراف فالجداء تعلمها الحركة حتى لا تصاب ببعض الأمراض. فالرب يعمل من خلالهم بتقوية إيمان المؤمنين(1تيمو 6:3) 6غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ.

       فهذا النص يتحدث عن الشروط التي يجب توافرها في الشخص لكي يكون أسقفاً، فعليه أن لا يكون من حديثي الإيمان، فهذه الفئة لديها حماس روحي وميزة مقدسة على عمل الله، ولكن لا يمتلكون الامتحان في حياة الإيمان، الذي يولد اختباراً. والاختبار يولد ثباتا. وأنا كذلك قد مرت على حياتي محنٌ واختبارات كثيرة في حياة الخدمة، ومعظم المقربين لدي يعرفون ويشهدون بذلك. فالرب يسوع قال: "ها أنا أرسلكم كحملان في وسط ذئاب". فنحن مثل الحملان في وسط الذئاب التي تريد أن تفترسنا. فعلينا أن نحافظ على إيماننا، فلا أحد يستطيع القول بأنني قد نلت نعمة الله كخادم بدون امتحان، فهذه البركة ليست كاملة. فهل ربحت أموالاً كثيرة بدون تعب؟ أو هل ارتفعت في مكانتك بدون بذل مجهود!؟ إذا كان هكذا فهذا سيكون مثل البيت الذي بني على الرمل، وسيأتي عليه يوم ويدمر. فكل مؤمن يمر بالصعوبات والامتحانات، يحصل على نعمة الله التي تأتي بالانتصارات. 

 

                                                      

قلبها متعلق بالعالم: 

"13أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ"(في 13:3).  أحياناً الإيمان يتطلب منّا أن نترك بلادنا وعشائرنا وأولادنا. فمثلاً إبراهيم ترك حاران ( منطقة في وسط العراق حالياً ) وجاء إلى أرض كنعان (التي هي فلسطين حالياً ) بحسب أمر الرب له. وفي أيامه كان ترك العشيرة هو الموت بعينه، بعكس أيامنا الحالية. فهو وضع كلّ اتكاله على الرب، فهو ينتظر إرشاده. ولكن عرفة لم تترك الأشياء المرتبطة بالعالم، وهذا يعني بحسب ما قاله الرسول بولس، فهي تمثل المؤمن الجسدي. هناك مثال آخر في الإنجيل.

 

"22وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ"(متى 22:13).

 

فكل مؤمن يهتم بالأمور الجسدية أكثر من الأمور الروحية، لا يكون في حياته ثمر. فلدى كل المؤمنين هموم ومصاعب في هذا العالم الشرير، ولكن عليهم أن لا يبقوا تحت الهموم كثيراً، لأننا بالإيمان بواسطة نعمة الله نتغلب على هذه الهموم. إذا أتت الهموم على حياة المؤمن، فعليه أن يطلب نعمة من الله حتى لا تبقى الهموم مثل نير على كتفيه، فيصبح منحنياً أمامها وبالتالي لا يكون هناك مجال للزرع الروحي في قلوبنا. لا يوجد على الأرض مؤمن كامل، فلكل واحدٍ نقاط ضعف تختلف عن الآخر. ولكن إذا صلّى المؤمن لأجل ضعفاته، فإن الله سيستخدمه ويعطيه نعمة لكي يتغلب عليها.

 

 

      ليس لديها إصرار وعزيمة لمواصلة حياة الإيمان:     

           حياة الإيمان تحتاج إلى إصرار وعزيمة. ومن المفروض أن تقطع عرفة كل ما يربطها بالعالم، ولكنها لم تفعل ذلك بسبب عدم إصرارها. فلذلك لم تستطع أن تنال نعمة من الله. ربما تكون قد عرفت ما هو الإيمان! ولكنها لم تطبق وتسلك بحسب هذا الإيمان. فبالتالي لم تكن هناك فائدة لحياتها، لأن الإيمان تطبيق للحياة(1كو 13). نعرف أن هذا الإصحاح هو إصحاح المحبة، ويوجد فيه خمسة عشر فصلاً عن المحبة، فهو يدل على أننا نحب الآخرين بالسلوك تجاهه، بمعنى أنه لدينا سلوك عملي نحوهم. وأيضاً هذه الأفعال تأتي في صيغة الحاضر وليست في الماضي أو في المستقبل. فالله يطلب منّا أن نحب الآخرين كما نحب الرب.

 

"14مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟!(يع 2: 14).

 

 الكتاب المقدس يطلب منّا القلب والفعل أي التطبيق. وزكا في (لو 19) كان لديه الإيمان بالقلب ، لذلك حصل على الخلاص.

 

9فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ، إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، (لو 9:19).

 

 زكّا دعى يسوع المسيح إلى بيته وكانت لديه الرغبة والطاعة معاً. كذلك الأعمى في(يو9) الذي أعطاه الرب يسوع شفاء. فعندما وضع على عينيه الطين وقال له: اذهب واغتسل من بركة سلوام، كان عنده الطاعة، فذهب واغتسل ورجع بصره كاملاً. فقد كان لديه إيماناً وعزيمةً، فكما تقولs الترنيمة الكورية:   

 

أنا أرحل في وقت الظلام أو الفجر. بالرغم من أن الليل ما زال موجوداً، وفي ساعة اللقاء كان الفجر بارداً. ولكنني وجدت في عينيك شروق خيوط الصباح. يا رب أنا أشكرك لأنك أعطيتني بركة سلوام.

 

ثانياً: أسلوب راعوث.

 

           راعوث مثال للمؤمن الحقيقي كما في(مت 25: 32،31). فهي مثل الخروف الذي يكون على يمين الرب يسوع المسيح، فهي حسب قلب الله كما قال عن داود. وهي نموذج للكنيسة العروس التي تنتظر عريسها وهو يسوع المسيح(را 14:1).

 

"14ثُمَّ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ وَبَكَيْنَ أَيْضًا. فَقَبَّلَتْ عُرْفَةُ حَمَاتَهَا، وَأَمَّا رَاعُوثُ فَلَصِقَتْ بِهَا".

 

فعرفة كان تعبيرها جسدياً فقط، فهي قبلت ثم تركت. ولكن راعوث فعلت كما فعلت عرفة ولكنها التصقت بحماتها فنجد – لغوياً – أنها تأتي بمعنى الكلمة في(تك 24:2) كلمة يلتصق بامرأته، فهي علاقة تتجاوز الأمور الجسدية، بمعنى أنه صارت هناك وحدة مثل العظم والجلد في جسم الإنسان. فكلمة تلتصق تأتي من الأصل العبري"  دبق "، وهي تعني الإفادة أو المنفعة المتبادلة نتيجة  "التصاقها"، مثل مريم التي التصقت بيسوع المسيح، فكانت تجلس عند قدميه وتسمع، فنالت نعمة من عنده(لو 39:10). فعندما نتحد بالتصاقنا مع كلمة الله ومن خلال صلواتنا، نختبر قوة الله العجيبة والرائعة في حياتنا(2مل 2:2).

 

"2فَقَالَ إِيلِيَّا لأَلِيشَعَ: «امْكُثْ هُنَا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ إِيلَ». فَقَالَ أَلِيشَعُ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ، إِنِّي لاَ أَتْرُكُكَ». وَنَزَلاَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ".

 

 الالتصاق بمعنى عدم الانفصال تحت أي ظرف من ظروف الحياة، فأليشع التصق بإيليا والنتيجة أنه قد حصل على ضعفين من روحه. ولذلك نحن أيضاً من المفروض أن نقول لله أبينا لن نتركك، ونصلي. وهذا ما فعله إليشع (2 مل 9:2). وأيضاً (تك 26:32).

 

 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». فإيماننا يثبت عندما نلتصق بيسوع المسيح. وهذا يشبه قوة الدفع التي في الماتور التي تأتي لنا بالبركات من لدن الله الآب.

 

 

أسلوب راعوث هو للمحافظة على رباط العائلة

فعندما تتزوج الفتاة وتصير زوجة، فهي تلتصق بعائلة زوجها، وعندما تواجه الزوجة مشكلة ما هناك، تضطرها للعودة إلى بيت أبيها، فمن الضروري أن يأمرها أبوها بالعودة إلى بيت زوجها. وهذا ما فعلته راعوث، لم ترجع إلى بيت أبيها، بل التصقت بحماتها، فالزوجة لا بد أن تفكر أولاً في عائلة زوجها، والمحافظة على زوجها لإكرام والديه، هذا ما قامت به راعوث بأنها جعلت الرباط الأسري في اتحاد. فعندما نفكر في موضوع راعوث نجد أنه ليس من الخطأ لو أنها رجعت إلى أهلها، لأنه لا يوجد ما يربطها بحماتها. ولكنها كانت تفكر بحماتها أكثر من نفسها، فهي لم تتركها بحسب عناية الله فلذلك أكرمها إكراماً عظيماً.

 

 

أسلوب راعوث التي أحبت الشعب الذي سكنت في وسطه.         

    "7وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ"(إر 7:29). فراعوث أحبت بيت لحم الذي سكنت فيها، مع أنها امرأة موآبية، وهذا يعطينا درساً لكي نحب بلادنا. " فإذا باركنا الله سوف تبارك بلادنا"، لقد رأينا الاتحاد السوفيتي يدمَّر وبلاد أخرى تبنى، أماكن فيها موت وأخرى فيها حياة، لعنة أو بركة، فهذه كلها في يد الله وحده. فالدرس الذي نتعلمه أننا لا بد أن نحب بلادنا ونصلي لأجلها، ونخضع لقادتها ولكل قوانينها. ولكن كمؤمنين نتذكر أن لنا مدينة باقية في السماء، فنحن يجب أن لا نتعصب لبلد ما، ولا نسمح للسياسة أن تفرقنا، ولا لنظام العالم أن يخلق فينا التعصب، بل يجب أن نحب الكل بدون تعصب، كما علمنا الرب يسوع المسيح. لأن القومية والوطنية هما مصطلحان سياسيان عالميان، وليس مصطلح كتابي سماوي فلنحذر من هذا الأمر.

 

 

أسلوب راعوث التي تتمسك بالإيمان:

بسبب التصاق راعوث بإيمانها صارت مؤمنة حقيقية(مت 28:10). "28وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ". فالمقصود من هذا العدد ولا سيما من كلمة " الجسد"، فهو يخص الحياة على الأرض، وكلمة " النفس" وهي تخص الحياة الإنسانية الداخلية في جوانبها المتعددة. فالإنسان يقدر أن يقتل الجسد من خلال قتله لشخص. أما النفس فلا يستطيع أحد تدميرها إلاّ صاحب السلطان عليها وهو الله. فراعوث لم تلتصق بحماتها بالحياة التي تخص الأرض فحسب، بل بالحياة التي ما بعد الموت عن طريق الإيمان. فكيف ينمو إيمان المؤمن عندما يلتصق بالكنيسة(لو 30:13)

 

"30 وَهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ، وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ.

 

    فالرب يسوع المسيح يعطينا تحذيراً بأن لا نفتخر بأعمارنا الإيمانية، فنحن نحتاج إلى تدريب روحي يومي مع الرب يسوع. فإذا كانت هناك مشاكل عائلية أو جسدية أو روحية فهذه كلها سنجد لها حلاً عندما تلتصق بيسوع المسيح. عندما قُبِض على يسوع كان بطرس يتبعه من بعيد ومن ثم أنكره. وهذا يعطينا درساً أن نلتصق بيسوع المسيح جنباً إلى جنب. ولدينا أمثلة كتابية كثيرة للمؤمن المنتصر، مثل إبراهيم وموسى وراحاب وبطرس وبولس وتيموثاوس، فهؤلاء تبعوا يسوع المسيح، مثل نمط راعوث التي التصقت بحماتها، ولكن عندما نتذكر لوط وشاول بن قيس ويهوذا الاسخريوطي، فهؤلاء كانت حياتهم فاشلة، لأنها كانت جسدية مثل عرفة، وكانوا يحملون قلباً منقسماً هما لله وللعالم، ولكن راعوث كانت مثال للمؤمن الحقيقي المبارك.

 

 

     4. رحلة عودة نعمي  

 

أولاً : العودة إلى بيت لحم.

 

رجوعها فارغة

(را 19:1-21)"19فَذَهَبَتَا كِلْتَاهُمَا حَتَّى دَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ. وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهِمَا بَيْتَ لَحْمٍ أَنَّ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا تَحَرَّكَتْ بِسَبَبِهِمَا، وَقَالُوا: «أَهذِهِ نُعْمِي؟» 20فَقَالَتْ لَهُمْ: «لاَ تَدْعُونِي نُعْمِيَ بَلِ ادْعُونِي مُرَّةَ، لأَنَّ الْقَدِيرَ قَدْ أَمَرَّنِي جِدًّا. 21إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً. لِمَاذَا تَدْعُونَنِي نُعْمِي، وَالرَّبُّ قَدْ أَذَلَّنِي وَالْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟.

 

الإنسان قد يكون في صورة حسنة أو سيئة، ولا سيما بعد عشر سنوات من غيابه، مثل الجبال التي تتغير، وهكذا كانت نُعمِيِ فحالتها تغيرت إلى درجة جعلت شعب بيت لحم يسألها هذا السؤال: أهذه نعمِي! فهذا يوحي لنا أَن حَالتها كانت أسوأ من السوء نفسه. وهذا درس روحي لنا، فكل إنسان يترك الله فروحه وجسده ونفسه ستكون سيئة للغاية. ولكن إن عشنا في الرب يسوع المسيح ستكون حياتنا مثل السوسنة المتواجدة في وسط الأودية.

 

 

رجوعها متألمة

معنى كلمة نُعمِيِ بالأصل العبري تعني " نعمتي أو فرح "، حتى الشعب حين قال لها: أهذه نُعمِيِ!؟ ولكنها قالت: أنا صرت مرّة. وهذا اعتراف من نعمِي، لأنها عاشت بعيدة عن الله. فنعمِي تركت بيت لحم وذهبت إلى بلاد موآب، وعندما رجعت إلى مكانها لم يكن لديها فرح في قلبها. وهذا حال كل مؤمن حقيقي يترك الرب فلا يوجد في قلبه فرح حقيقي، بل يحيا في الآلام والحسرة والمشقة.  وهكذا نفوسنا تفرح وتبتهج في الرب يسوع فقط.

  

 

ثالثاً: رجوعها فارغة اليدين.

ذهبت نعمِي إلى بلاد موآب ويداها ممتلئتان، ورجعت منها فارغة اليدين(مز 107: 10و11)

10الْجُلُوسَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، مُوثَقِينَ بِالذُّلِّ وَالْحَدِيدِ. 11لأَنَّهُمْ عَصَوْا كَلاَمَ اللهِ، وَأَهَانُوا مَشُورَةَ الْعَلِيِّ.12فَأَذَلَّ قُلُوبَهُمْ بِتَعَبٍ. عَثَرُوا وَلاَ مَعِينَ.

 

إذاً أي مؤمن حقيقي يعيش في حالة عصيان، فسوف يجلس في مكان الظلمة، ويكون في دائرة خطر الموت، وهذا يكون تأثيره جسدياً وروحياً ونفسياً. فالدرس الذي نتعلمه هنا هو: كل فقير وكل غني لا يوجد في قلبه يسوع المسيح، فهو يعيش في فراغ حتى لو كانت أمواله كثيرة. سيكون مثل لوط الذي خسر كل شيء بذهابه إلى أرض سدوم وعمورة التي كان سكانها أشرارا جداً لدى الرب، هذه المدن قلبها الرب وأمطر عليها ناراً وكبريتاً وتسمى دائرة الأردن وموقعها كان في منطقة البحر الميت في الأردن ، لوط خسر أمواله وزوجته التي تحولت إلى عمود ملح لأنها عصت أمر الملاك بأن لا ينظر أحد إلى الخلف، وخسر شرف بناته إذ قامت ابنتاه اللتان بقيتا معه ومارستا الجنس مع أبيهما وأنجبتا منه طفلين واحد اسمهما مؤاب والآخر عمون، ومنهما خرج شعب المؤابيين الذين سكنوا الكرك في جنوب الأردن والعمونيون الذين سكنوا ربة عمون أي عمان حالياً وسط الأردن.  

 

 ثانيا: الترحيب من بيت لحم.

 

ترحيب من كل المدينة

 

أحياناً نجد أن بعض الأشخاص يمتنعون عن الكنيسة، لاعتقادهم أن بعضهم سوف يستهزئ بهم. وأحياناً يسبح ويصلي، حتى يلفت انتباه الآخرين. فعندما نقوم بأي عمل لله من أجل لفت الأنظار إلينا. فهذا فيه خطورة روحية علينا. فالمؤمن لديه حرية، وهو يعمل ويخدم بدون قيود وليس من المهم أن نلفت أنظار الآخرين إلينا. لماذا؟ لأننا مقبولون من الله، ونحن في موضع الترحاب منه. وأيضاً نجد مؤمنين آخرين يرحبون بهم. فنحن جميعاً أمام الله كنّا خطاة، ولا أحد يحكم علينا إلاّ الله فقط. وأيضاً كما عرفنا أننا إذا اعترفنا بخطايانا فهو يغفرها. وأي شخص يأتي إلى الرب يسوع المسيح يرحب به. مهما كانت حياته وخلفيته إن كان خاطئاً وأراد التوبة فسوف يحصل على الغفران ، وإن كان مؤمنا فاتراً أو ضعيفاً واحتاج إلى قوة فسوف ينالها، وإن كان مرتداً وأراد العودة لحضن الرب ويرجع إلى العبادة الحقيقية فسوف يقبله الرب ويحتضنه ويرعاه، فإن كنت أحد هؤلاء الثلاثة ، فالرب يرحب بك ويدعوك لترجع إليه، فهل تفعل؟ كما حدث في بيت لحم، عندما رحبوا بنعمِي. ولذلك يجب علينا أن لا يكون تركيزنا على لفت انتباه الآخرين، ولكن يجب أن نركز أنظارنا على شخص المسيح.

 

دعوة أهل المدينة باسمها.

طلبت نعمِي من شعب بيت لحم أن يدعوها مرّة ولكن ما من أحد منهم ناداها بهذا الاسم. عادةً أفكارنا تختلف عن أفكار الله. لماذا؟ لأن نعمِي قالت لا تدعوني نعمِي ولكن ادعوني مرّة، وذلك لأنها كانت مريضة روحياً وضعيفة نفسياً. ولكن من المفروض أن تعيش بحسب اسمها الذي معناه فرح. ونحن أيضاً تحررنا من قيود خطايانا، مثلما تقول هذه الترنيمة الكورية:                                                

الانتصار لي بدم يسوع المسيح، وبدم يسوع المسيح نحن منتصرون دائماً. ملكوت الله لي بدم يسوع المسيح.

 

 رجوعها في موسم الحصاد.

"22فَرَجَعَتْ نُعْمِي وَرَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ كَنَّتُهَا مَعَهَا، الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ، وَدَخَلَتَا بَيْتَ لَحْمٍ فِي ابْتِدَاءِ حَصَادِ الشَّعِيرِ"(را 22:1). فهي قد رجعت في وقت ملائم لحالتها(إش 6:55).

 

"6اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ ".

 

 بمعنى وقت الطلبة وقت الخدمة وقت الصلاة، فهذه كلها لها مواسمها الخاصة بها. فهذا الوقت كان مناسباً. 

 



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6