أولا: تأديب إلهي:
نحن نجد أن التأديب الإلهي، قد ظهر في سفر التثنية(28: 15- 68). ومن خلال هذه الآيات، نستخلص ثلاثة جوانب: -
التأديب بالمرض:
الرب يجعلنا نرجع إليه، عن طريق أمراضنا. فهو أحياناً يأخذ من صحتنا، لكي ينقذ أنفسنا، وذلك بسبب عدم توبتنا عن خطايانا. وهدف هذه الآلام أن نرجعَ إليه، فهو قد يسمح للأمراض أن تصيبنا، ولا يقصدها بحدّ ذاتها.
فالأمراض تؤلم أجسادنا. ومثال لذلك عندما يشعر الأطفال بالألم، فمن الطبيعي أن يركضوا إلى أمهاتهم. وأيضاً كل ابن لله عندما يتألم، فهو يصرخ إليه طالباً الإنقاذ، مهما كانت جنسيته أو مرتبته سواء كان غنياً أم فقيراً، أميراً أم اسيراً، كبيراً أم صغيراً. فهو يصرخ إلى الله عند حدوث المشكلة. لماذا ؟ لأن الله وحده فقط لديه الحل لكل مشاكلنا.
التأديب بالفقر:
أحياناً يأخذ الرب جزء أو كل ممتلكاتنا
، وبالتالي نتألم من ذلك حينما لا نرجع إليه. وعندما يمتلك الرجل الصحة ولا يمتلك الأموال، فهو يشعر بالألم النفسي بسبب هذا الضيق. ويكون التفتيش عن الله أقوى من حالة عدم امتلاك الشخص للصحة والمال.
هناك هدف وقصد عند الله من الألم عندما نفشل في أعمالنا، وهو أن نرجع إليه. ولكن عادة عندما يفشل الإنسان في التجارة، ويعتقد أن السبب هو المحل التجاري، وبالتالي ينتقل إلى مكان آخر، فهذه طريقة خاطئة وفكرة سيئة في الحلول البشرية، ولكن هذا الإنسان لا يعرف أن الحل يَكُمن عند الله فقط. فلو أن الله أبانا قد أغلق طريقي، فلا أستطيع أن أفعل شيئاً.
التأديب بالحرب:
تسلب من الحرب سلامنا وفرحنا، ومن المفروض أن تكون حياتنا حياة فرح وسلام لكل أولاد الله. فعندما يتوفر عنصر الصحة والمال، ونفقد السلام من حياتنا فهذا أيضاً نوع من الآلام في حياتنا. في عام 2004 انتحر كثير من الكوريين، وبخاصة مديرو الشركات. بالرغم من أن هذه الفئة من الناس، لديها الصحة والأموال الطائلة والمراتب الاجتماعية العالية، ولكن ليس لها سلام حقيقي في قلبها. فالحياة بدون سلام داخلي، تشبه حالة الحرب، وبالتالي فهي حياة قلق واضطراب وألم، وخوف من الموت دائماً. فالفرح الحقيقي الداخلي موجوداً في قلب كل أولاد الله، وهو أكبر بركة إلهية في حياتهم.
22فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَفْرَحَ الإِنْسَانُ بِأَعْمَالِهِ، لأَنَّ ذلِكَ نَصِيبَهُ. لأَنَّهُ مَنْ يَأْتِي بِهِ لِيَرَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ؟(جا 22:3).
فالرب أعطانا بركة العمل لحياتنا. فعندما لا يكون في قلوبنا الفرح، نحن نُحزن قلب الله. ولكن حينما نُمجد الله ونخافه أي نتقيهِ، فإنه يعطينا السلام والفرح كهبةً منه، وبالتالي نتمتع بمعنى الفرح الإلهي الحقيقي. مراراً يعطينا الله أشياء، وأحياناً أخرى يأخذ منا أشياء. فالصحة والأموال، هي عطايا مؤقتة على الأرض لحياتنا، يعطيها الله لنا ويأخذها، مع أن السلام والفرح الداخلي، هو هبة دائمة، سواء أكانت هنا على الأرض، أم هناك في السماء.
ثانيا: أهــداف التـــأديب الإلــــــهي:
لكي نرجع إليه:
ما هدف الله من السماح بأن نتعرض للضيقات والامتحانات في الحياة ؟ قد يفعل الله ذلك من أجل إعادة بركاته لنا ، وفهم محبته من جهتنا ، ولكي يُعلمنا درساً، وحتى لا نتركه في حياتنا. وهذا ما يُسمّى الرجوع إليه كما تقول هذه الترنيمة الكورية:
أرجــع. أرجـــع أيها القلب المتضايق لأن الطريق مظلم ومتعرج لكعبيك،
أرجـع. أرجـع إلى البيت، وهو بيت الآب الغني، يا أيها الراحل أرجع وأرجع مسرعاً.
الحياة المسيحية هي الرجوع إلى الله، تماماً كالشخص الذي ترك البيت، وعاش وحيداً، ولاقى صعوبة في حياته، ففي طفولتي، تَركتُ بيت أبي، لأنني قمت بسرقة بعض أمواله. وكنت أعمل كبائع متجول على الأرصفة، والناس تنظر إليّ بازدراء، مما سبب لي آلاماً نفسية داخلية. وفي يوم من الأيام، جاءت أمي وقالت لي: "إذا رجعت معي إلى البيت، فإنّ أباك يسامحك على كل ما فعلته". وكنت أنتظر هذه اللحظات التي أسمع فيها مثل هذه الكلمات. وبعدها صرت آكل طعامي بلا تعب، وأنام بلا خوف، وأذهب إلى مدرستي، وكانت أمي تغسل لي ملابسي وُتحضر لي الماء الدافئ، لكي أغسل وجهي. وكذلك نحن أولاد الله، فعندما نترك مكاننا وعلاقتنا مع الله الآب، نُصاب بالفشل والآلام. وحينما تفكر أن تعيش وحدك، معتمداً على قوتك وقدرتك، فهذا يجعلك في يأس وضيق. هل تثق بقدرتك؟ ثقتك بقدرتك تجعلك تشعر بصعوبة الحياة. فالمؤمن الحقيقي يعيش معتمداً على نعمة الله كلَ يوم. وعندما ترجع لأبيك، فهو يتحمل مسئوليتك كأب، وتستطيع أن تشعر براحة في نومك، بلا قلق أو خوف. لذلك علينا أن نرجع إلى البيت، مثلما رجع الابن الضال في لوقا15، الذي تاب ورجع إلى أبيه.
عندما تًحضُر أمام الله، فالخوف والقلق يهربان من حياتك، وحينما تعتمد على قوتك، فستشعر بالتعب المستمر في حياتك. فالمؤمنِ الحقيقي يبدو كإنسان ضعيف، ولكنه يحيا حياة القوة في الإيمان، فلا يخاف من المستقبل، بمقارنته مع الآخرين في العالم، فهم في حالة قلق مستمر بسبب تركيز تفكيرهم على المستقبل العالمي، أكثر من تركيزهم على الله نفسه. فنحن نقول إن كل مؤمن حقيقي يحيا بنعمة الله. وعليه أيضاً أن يعرف أسباب البركة التي من الله، وأسباب التأديب الإلهي. لماذا يباركنا الرب؟ ولماذا يعطينا الصحة والأموال والسلام؟ هدف بركاته هو أن نمجد الله.
أيها الأخ الحبيب، هل نلت البركة والنعمة الإلهية؟ لو كان كذلك فعليك أن تمجد الله بالشكر فهذه البركات، لا يقدر أي شخص أن يسلبها منك لأنها هبة من الله.
لكي نعتمد على الله فقط:
أيها الأخ الحبيب، أريد أن أسألك هذين السؤالين: هل تًطور الطب يمنع موت الإنسان؟ وهل تقدم العلم يسمح بتساقط الأمطار؟ كلا. لأن الله وحده يتسلط على كل شيء، ومنهُ تصدر كل الأشياء. فالإنسان لا يستطيع أن يحل مشكلته بنفسه . خلال عدة أيام تقابلت فيها مع مدير المستشفى في الكنيسة، وكانت ابنته تعاني من السرطان، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وأبوها كان مشهوراً جداً في الطب، ولكنه لم يستطع أن يمنع الموت عن أبنته، لأن الإنسان محدود في قوته وبالتالي كل شيء في يد الله.
لو أنّ الله أعطانا نعمته، فسوف نكون في سلام، وإذا أخذها فسنشعر بالأسى. ما هي أولويات الله بالنسبة للبشرية ؟ من خلال تمتع الإنسان بنعمة الله وبالتالي يُمجده، ومن خلال طاعة الإنسان واتكاله على الله فقط.
لكي يعطي الله بركته:
ذهب أليمالك إلى أرض موآب، هرباً من المجاعة. أيها الأخ الحبيب، إذا شعرت يوماً بتعب في جسدك، وهربت إلى مكان آخر، فهذا يقلل من علاقتك بالله. ولكن إذا صليت وصبرت في المكان الذي أنت فيه، فستجد الحل الإلهي، وتنال بركاته التي هي بلا حدود.
إذا كنت أترأى أمام الله باستقامة القلب، فالرب يباركني، بدون أن يكون على جسدي ثقلُ. فإذا كنت تتجهز لكي تكون إناءً أميناًً وكبيراً أمام الله، فإنه يسكب كل بركاته الوفيرة فيك. وإذا كنت تريد أن تكون إناءً غير أمين وصغيرً، فإنك ستحصل على بركات قليلة. وإذا كنت لا تدرك سبب المشكلة روحياً، فهذا سيجعلك عرضةً للتجارب، لأن أليمالك ذهب إلى أرض موآب مع عائلته، قبل أن يُدرك سبب المجاعة التي كانت في أرض بيت لحم، بالرغم من أن معنى بيت لحم هو"بيت الخبز" أو بيت الشبع، ولكنه لم ينتظر صوت الله في هذا البيت.
وبدلاً من أن يترك مكانه، كان عليه أولاً أن يتوب عن خطاياه، هو وعائلته أمام الرب كما فعل الابن الضال(لو 17:15) "17فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا!" ولكن أليمالك ترك بيت لحم، وذهب إلى أرض أممية، وهناك كانت ضيقات كثيرة في انتظاره، ووقعت كارثة كبيرة على هذه العائلة، وهي موت أليمالك وأبناه، مات الرجال الثلاث الذين يعتبرون أعمدة البيت.
وعندما نقارن بين أليمالك والابن الضال، نجد الفرق شاسعاً بينهما؛ لأن الابن الضال أدرك حقيقة المشكلة. فيقول الكتاب:"فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِه". وهذه هي التوبة الحقيقية من كل القلب. ثم فكر بالرجوع إلى بيت أبيه، وهنا كانت الخسارة مادية فقط، بينما أليمالك لم يفكر بالعودة أي بالتوبة. فكان قراره الذي أتخذه وهو ترك بيت لحم والنزول إلى أرض مؤآب، وكانت خسارة حياته مع أبنيه.
والدرس المستفاد هنا، هو عندما يدخل المؤمن المُخلص بدم الحمل في دائرة العالم، فإنه يخسر أشياء ثمينة في حياته مثل أليمالك، ولذلك لا يمكن أن نقارن كنيسة الله مع العالم؛ لأن الكنيسة تتمتع بالبركة والسلام والنعمة الإلهية، ولا يمكن مقارنة نعمة الله بالأشياء التي في العالم. أخي الحبيب إذا شعرت في يوم ما بالملل الروحي، فهذا يجعلك أن تنظر إلى الكنيسة بأنها مكان ضيق، بينما ترى العالم كأنه جنّة متسعة لك، ثم تسمع صوتاً بداخلك وهو: كيف تترك مكانك؟ لأن البركة الإلهية هي كنز عظيم لا نقدر أن نقارن بينها وبين الأشياء الفانية الموجودة في العالم.
ثاليثا: البركة واللعنة:
في الإصحاح الأول والأعداد الأولى، نجد أن أليمالك قد خرج من بيت لحم إلى موآب، وترك بلاده بسبب عدم الإيمان. وأيضاً فهو لم يدرك حقيقة المشكلة، بأنها روحية أكثر منها اقتصادية، لأن الحالة الاقتصادية كانت مبنية على أساس الحياة الروحية الصحيحة لشعب الرب. كما جاء في(تث 28). فعندما نقرأ عن البركات واللعنات، فإننا نجد من ضمن قائمة اللعنات، التغيير في الطبيعة، بمعنى أنّ الله بسبب خطاياهم يمنع المطر والطلّ، ولا يكون زرع. فأليمالك لم يدرك هذه المشكلة بأنها روحية، وأن المكافأة من الله تكون بحسب أعمالنا(تث 11:27-13).
11وَأَوْصَى مُوسَى الشَّعْبَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: 12«هؤُلاَءِ يَقِفُونَ عَلَى جَبَلِ جِرِزِّيمَ لِكَيْ يُبَارِكُوا الشَّعْبَ حِينَ تَعْبُرُونَ الأُرْدُنَّ: شِمْعُونُ وَلاَوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَيُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ. 13وَهؤُلاَءِ يَقِفُونَ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ لِلَّعْنَةِ: رَأُوبَيْنُ وَجَادُ وَأَشِيرُ وَزَبُولُونُ وَدَانُ وَنَفْتَالِي".
عندما طلب الله من موسى أن يجعل الأسباط الستة: "شمعون ولاوي ويهوذا ويساكر ويوسف وبنيامين" على جبل جرزيم، لكي يباركوا الشعب، فهو كان يقصد من ذلك، تذكير الشعب أن البركة في الطاعة، وفي المقابل يقف الستة الباقين وهم: " رأويين وجاد وأشير وزبولون ودان ونفتالي" على جبل عيبال، لتذكير الشعب بأن في العصيان لعنة. وهذه المناسبة تذكر الشعب بالعهود التي أُعطيت من الله لهم من خلال الشريعة. فالجبلان (جرزيم وعيبال) يقعان مقابل بعضهما، وفي وسطهما وادي شكيم وهي حالياً "نابلس" مدينة في فلسطين كما في(تث 27: 11-26) وجعل موسى اللاويين أن يصرّحوا أمام الشعب، فهو يذكر ذلك في: 14 فَيُصَرِّحُ اللاَّوِيُّونَ وَيَقُولُونَ لِجَمِيعِ قَوْمِ إِسْرَائِيلَ بِصَوْتٍ عَال: 15مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي يَصْنَعُ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا أَوْ مَسْبُوكًا، رِجْسًا لَدَى الرَّبِّ عَمَلَ يَدَيْ نَحَّاتٍ، وَيَضَعُهُ فِي الْخَفَاءِ. وَيُجِيبُ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَيَقُولُونَ: آمِينَ.
فموسى أعطى هذه التعليمات للاويين، وهم بدورهم يُعلنوها للشعب كما ورد في (عدد15). والهدف من ذلك، هو الاعتراف بإيمانهم فيما يخص الله الذي دَخَلَ معهم في العهد، وهو يريد أن يُبارك شعبه. ولكن اللعنة أتت للشعب عندما خالف هذه التعليمات. ولا يُقصدَ من هذا التقسيم بأن الذين على جبل جرزيم من الأسباط الستة طائعون أو الذين على جبل عيبال من الأسباط الستة متمردون، بل كان القصد الإلهي، هو تذكير الأسباط أولاًً بصفتهم رؤساء لبيوتهم. فالله يطلب منا أيضا كمؤمنين حقيقيين أن لا نسلك بحسب أهوائنا وشهواتنا، لأن البركة واللعنة موجودتان في جبلي جرزيم وعيبال، وعلينا أن نتذكر بركة الرب لنا، وعندما نخطئ فستأتي اللعنة كنتائج زمنية للخطيئة.
نعود مرة أخرى إلى أليمالك الذي فكر في مشكلته الاقتصادية، ولاسيما في موضوع المجاعة. وتوضح لنا الصورة الخارجية عندما كان في أرض موآب، أنه كان في وضع أفضل. فالدرس الروحي الذي نتعلمه، أن العالم يُعطينا النظرة الوقتية التي يحتاج إليها الجسد فقط، بينما الكنيسة تعلمنا وتُعطينا من خلال كلمة الله النظرة الأبدية الدائمة ، كما في(2كو4: 18). فإذا كنت تريد أن تحصل على البركة الروحية، فنحن نشجعك ـ إن كنت بدون كنيسة ـ فعليك بالانضمام إلى كنيسة قريبة منك. لماذا؟ لأن الشخص الذي يحيا في طاعة كاملة مع الله بحسب كلمته، فهو يتمتع ببركة جرزيم، بينما الشخص الذي يتمرد على الله من خلال عصيانه لكلمته، تأتي عليه لعنة جبل عيبال. فالله لم يتغير من خلال صفاته، سواء أكان في العهد القديم أم الجديد. فنحن نراه يُؤدب شعبه في القديم عندما كان يُخطئ، وهو يُؤدب أيضاً شعبه في العهد الجديد ولا يُدينه، لأن الدينونة تأتي على الأشرار بينما التأديب هو حكم على العمل والتصرف الذي يصدر من المؤمن. والسبب في ذلك لأن الله صالحٌ وعادلٌ، فعندما نكون في طاعته، نكون في دائرة إرادته الصالحة المرضية الكاملة. ولكن عندما نخطئ فنحن نكون خارج خطته لحياتنا، وبالتالي لا تقدر صلاتنا أن تأتي بما لنا في فكر ومشيئة الله الآب لنا،ولكننا عن طريق التوبة نرجع إلى إرادته والى خطتهِ في حياتنا، كما تقول هذه الترنيمة:
صممت أني أتبع يــسـوع صممت أني أتبع يــسـوع
صممت أني أتبع يــسـوع أتبع يـسوع بلا رجـــــوع
العالم خلفي ويسوع أمامي العالم خلفي ويسوع أمامي
العالم خلفي ويسوع أمامي أتبع يـــسوع بلا رجـــوع
2. الحل للتجربة:
لم ُيدرك أليمالك تجربته روحياً. والحل الذي أتخذه لنفسه لم يكن بحسب إرادة الله. بل الحل لتجربتهِ كان أمام عينيه. ولكن كيف يكون الحل عندما تأتي التجارب؟ وهنا نذكر بعض النقاط التي من المهم أن نلتزم بها وهي:
· عليك بالصبر.
· عليك بالصلاة.
· عليك بالتوبة.
· عليك أن تكون ثابتاً غير متزعزع.
· عليك بالاتكال على كلمة الله.
عليك بالصبر:
لا بد أن نصبر كما كان أيوب في تجربته، فهو لم يتذمر حتى في حالة عدم الرجاء بحسب المنظور البشري، بسبب ثقته الكاملة في الله. وأيضا تحمُلهِ الآلام بسبب ثقتهِ في المنقذ الذي سيقوده في الطريق الصالح وهذا ما امتدحه الله في أيوب لتحمله الآلام لأن عنده طول الأناة(يع 1: 14). لذلك علينا أن نصبر في مملكة الله، فعندما نصبر فالتجارب لن تستقر في حياتنا تماما كالشخص المسافر، فعندما تأتي موجة على السفينة، فإنها تكون أمامها مثل الورقة، فلو توقفت السفينة أمام كل موجة، فإنها لن تصل إلى هدفها المنشود، بل ترتفع فوقها وتتجاوزها، بسبب خبرة قبطان السفينة في كيفية التعامل مع هذه الموجة، فهو لا يخاف، لأن الموجة لا تستمر بل هي تظهر وتنتهي. وهكذا نحن أيضا لأبد لنا أن نصبر، لأن هذا هو سر نجاحنا في هذه الحياة الروحية، بأن نصبر ولا نتوقف( اكو 4:13) وهذا دليل على النضوج الروحي في حياتنا، فنحن لا نعتمد على مشاعرنا فيما يفعله الله في حياتنا يومياً، بل على ما يدربنا عليه الله في حياتنا اليومية. فوجود المحبة في داخلي تعطيني التأني في علاقتي بالآخرين، كالزوجة والأولاد وغيرهم. وسر نجاح الكنيسة هو الراعي الناجح، الذي يمتاز بالصبر والتأني على رعيته. فإذا كنت تتوقع الحصاد الجيد أو الثمر الجيد، فعليك أن تصبر( يع 7:5 ). لذلك كان من المفروض على أليما لك، أن يصبر وينتظر ولكنه لم يفعل هذا الأمر.
عليك بالصلاة:
حدثت هذه القصة في بلادنا بكوريا، ومفادها أن عائلة مسيحية مؤمنة مكونة من أب وأم وابن، وكان إيمان الأب والأم قوياً. وأثناء الاستعمار الياباني على البلاد، رفضا أن يسجدا لآلهة اليابانيين، رغم ما ذاقا من اضطهاد. وكان إيمان الابن أقل درجة من إيمان أبويهِ، وتقدم لخطبة فتاة مسيحية مؤمنة ثم تزوجا. وبعد فترة من الزمن، مات والدا الزوج، وأنحرف الابن عن الإيمان، وأمتنع عن الكنيسة والصلاة، وصار مدمنا للخمر، وكان يضرب زوجته، ففكرت في داخلها أن تتركه بطلبها الطلاق منه، ولكنها أدركت أن هذه المشكلة هي عبارة عن حمل صليب لأبد أن تحتمله، وكانت تصلي لفترة طويلة لمدة سبع سنوات من الصلاة بالإيمان والصبر، معتمدة على الوعد الموجود في(مت 7: 7). وفي يوم من الأيام، اكتشفت أن أبنها الأكبر صار أيضا مدمناً يتعاطى الكحول، وفي إحدى الأيام تشاجر مع شخص في الشارع، ثم أخذتهما الشرطة للقسم، وذهب الزوج إلى هناك، وأخرج أبنهِ بكفالة مالية، ثم رجعا إلى البيت وابتدأ الأب يقول لابنه:
أنت كنت السبب في المشاكل لتعاطيك الخمر والمسكرات، ولابد أن تتوقف عن تعاطيها. وكان رد الابن لقد تعلمت ذلك منك، وأيضا رأيتك وأنت تضرب أمي في كل يوم، فلماذا تطلب مني أن أمتنع عن هذه الأمور؟ فشعر الأب حينها بالذنب، وصلى للرب أن يغفر له خطيئته، وطلب من زوجته أن تسامحه أيضا على كل ما فعل بها، وتاب الابن أيضا أمام الرب، وطلب منه الغفران فرجع الأب والابن للرب بسبب صلوات استمرت سبع سنوات، من قلب ساجد وشخص صابر، فكانت لها النتيجة التي تُفرح قلبها. وهناك أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس للصلوات والسجود نجدها في(دا10:6)، رغم القوانين المفروضة عليهم. إن أجمل صورة يحبها الله هي"صورة المصلين الساجدين" يحنو قلب الله أمام المصلين، فهو يحب المصلين بقلب فيه خشوع ودموع أمامه، وعندما نصلي بحرارة من القلب فالرب يستجيب لنا.
عليك بالتوبة:
لكل خطيئة سبب، ولذلك عندما تهاجمنا التجربة، علينا أن نعرف كيف نتصدى لها وأن لا نسقط في الخطيئة ، فعندما نقع في تجربة علينا أن نتوجه فوراً إلى الله كي يمنحنا القوة والحكمة لكي نحسن التصرف . وكما نقرأ في (يع13:1-15 ) " لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله لأن الله غير مجرَب بالشرور وهو لا يجرِب احداً. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته . ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطيئة والخطيئة إذا كملت تنتج موتاً " الله لا يجربنا بالشر بل يسمح بالتجربة ولكن مشيئته لنا أن لا نسقط في الخطيئة ولكن إذا سقطنا في الخطيئة فعلينا أن نعترف بها فوراً وأن نتوب أمام الله ونقول:
" يا رب أنا أتوب قدامك عن خطيئتي وأعترف بها . ارحمني واغفر اثمي. سامحني وأعطني نعمتك ورد لي فرحي الذي سلب مني " .
ونلاحظ الفرق بين الاعتذار والاعتراف، فالاعتذار يصدر من قلب متكبر، مثل الذين في غنىّ مادي فاحش، أو منصب عال، فهو يقول هكذا: "يا رب يبدو أنني أخطأت فأنا اعتذر منك". فهذه ليست توبة حقيقية، لأن هذا هو البر الذاتي. بينما الاعتراف هو:"عندما يتوب الشخص عن خطيئته التي فعلها ويقر بها". ويرجع عنها 180 درجة ففي ذلك الوقت ينال نعمة الله وغفرانه وقوته المشجعة له.
في إحدى الأيام كان يتردد على كنيستي شخص ذو رتبة عالية في الدولة، وكان مريضاً ولكنه لم يعترف أمام الرب بخطيئته، بل كان يعتبر وجوده في الكنيسة شرفا للمؤمنين، وللأسف مات بكبريائه ولم يُشفَّ من مرضه. فالتوبة ليست سهلة، ولكن من الضروري أن يتوب كل مؤمن إلى الله بقلبه، مثل داود الذي كان ملكا ولكنه تاب من كل قلبه، لأنه اعترف بصراحة ووضوح أمام الرب حتى أنه صار كمثال لنا في الكتاب المقدس. فالذي فعله هو سجوده أمام الرب على ركبتيه، وصام ولبس مسوحاً، وسكب دموعه على فراشه كل ليلة، فهذه هي التوبة الحقيقية. فإذا كنا نتوب كما تاب داود فالمشاكل تُحل بسرعة. لأن الله يحب الشخص المتواضع أمامه، في توبة حقيقية من كل قلبه. وعندما تواجه مشاكل في الحياة، فعليك أن تحلها بالتواضع أمام رب الحياة. فالطريقة التي لا بد أن تتخذها، هي السجود لله بمعنى أنك تعطيه الاحترام والوقار لجلال اسمه. وأيضا تنطق بكلمات الاعتراف "يا رب اغفر لي خطاياي". ويكون طلبنا هذا، مثلما يطلب الخطاة غفران خطاياهم من الله.
عليك أن تكون ثابتا وغير متزعزع:
لم يكن الشعب الإسرائيلي ثابتا أمام الرب في البرية، بل كان يعيش حياة عدم الإيمان أي حياة التزعزع، إلا شخصين قال عنهما الكتاب المقدس في(سفرالعدد 30:14)هما كالب بن يفنه ويشوع بن نون. وبسبب عدم إيمان الشعب، فإن الله حرمهم(عد 24:14). وفي هذا العدد نرى أن كالب يختلف كلياً عن سائر الشعب في ذاك الوقت. فهو لم يتزعزع وانصاع كليا لأمرالله( تث 2:8) "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك، طيلة الأربعين سنة في القفر، لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك، أتحفظ وصاياه أم لا " .
فالرب يريد أن يمتحن قلبك، لكي يعرف هل أنت متزعزع أمام التجارب ؟ والشيء الملفت للانتباه، أن الرب فاحص القلوب والكُلى، ولكن قصده من التجارب هو أن نعرف حقيقة أنفسنا أمام الله. فالرب يريدنا أن نكون ثابتين وغير متزعزين.
عليك بالاتكال على كلمة الله:
عندما تواجه التجربة عليك أن تتذكر كلمة الله(رو 28:8؛ اكو 13:10). وبالتالي تستطيع أن تخرج منها منتصراً، فعندما يقول في( رو 28:8)"ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده".
كل مَنْ يُحب الله فهو مدعو بحسب قصده، وهو الذي يجتاز التجربة بنجاح، فعلينا بالرجوع إلى ربنا يسوع المسيح، والاتكال عليه كليا، كما تقول كلمة الرب(اكو13:10):" لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمينُ الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما لا تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا". فالرب أمين وصالح، ولا يجعلنا أن نُجرب فوق طاقتنا البشرية. وأيضا هو يكون لنا المنفذ لكي نتحمل أي تجارب.
وهناك ترنيمة كورية وكلماتها كالتالي:
لا تشعر بخيبة الأمل في الضيقات والتجارب
بل اترك همومك وتقدم إلى الأمام مثل يشوع
لأن مسكني هو حصن الرب يسوع
وأيضا ترنيمة أخرى تقول:
كن راسخاً في الرب يسوع
باتكالك على كلمة الرب
والوعود أمام الهموم العالمية
3. الرجل والتجربة
التجربة هي فرصة، إما لنوال نعمة الله أو نخسر أغلى الأشياء، وعندما تواجهنا التجربة، ستكون فرصتنا قوية للاقتراب إلى الله، حتى نعرف مشيئته في هذه التجربة، فلو أن هذه التجربة لم تحدث مع راعوث فلن تُكتب هذه القصة في الكتاب المقدس. وحياتها كانت ستنتهي مثل أي حياة مع محلون. ولكن عندما حدثت لها التجربة، نالت نعمة غير محدودة. لأنها لم تقترب إلى الله فحسب، بل كانت تحتمي به(را 12:2). فالتجربة تحتاج إلى الحكمة لكي تُحلَ، مثل راعوث الأممية التي تغلبت على التجربة، بالثقة والاتكال على الله. فما هي ردة فعل الشخص الذي يواجه التجربة؟
الشعور بالتخبط والإحباط والفشل
فالرب يطلب من الذين وقعوا تحت الإحباط والفشل، أن يكونوا في حالة رجاء كامل نحو الله بحسب (غلا 9:6)، لأن التجربة هي فرصة للتعليم وليس للاستسلام (عب 5:12-6). فالكتاب المقدس يخبرنا في (1مل 19:18-24) عن شخصية إيليا الذي واجه 450 من أنبياء البعل و400 من أنبياء السَّواري، ولكن الله تمجد عندما أرسل ناراً من السماء وأكلت الذبيحة، بعد أن صلى إيليا وطلب من الله أن يظهر مجده . فكانت شهادة لهم أن الذي يعبده إيليا هو الإله الحقيقي"يهوه" وتنتهي الحادثة بقتل أنبياء البعل، وذبحهم إيليا عند نهر قيشون(1مل 18: 40). ويعتبر إيليا رجل شجاع، ولكن بعد أن علم أن إيزابيل تتربص به شرا لتقتله، وتكون نفسه كواحدة من أنبيائها، فكانت النتيجة أن هذا النبي هرب لكي ينجو بنفسه، وتاه في الصحراء، ووصل إلى شجرة وطلب الموت لنفسه(1مل 4:19). فهذا مثال يُثبت لنا أن الإنسان ذا طبيعة ضعيفة، مثل إناء الخزّاف. فإنه أمام التجربة يصاب بالإحباط والفشل، ونستنتج من هذا الأمر، أن الله وحده هو القدير. فالإحباط والفشل هو أمر طبيعي يواجهه الإنسان في وقت التجارب، ولكن المشكلة هي الاستسلام للإحباط والفشل. فالإنسان يركز نظره إلى التجارب المحيطة به والبيئة التي حوله، ولا يركز نظره على الله، رغم أن الكتاب يقول عكس هذا المبدأ(عب 2:12)، أن ننظر بإيمان إلى رئيس الإيمان وهو الرب يسوع المسيح. فعندما تواجهنا التجربة، لا بد أن نرفع عيوننا إلى الله، لأننا لو ركزنا النظر على تجاربنا والظروف المحيطة بنا، سوف نتعثر ونسقط ويكون السقوط عظيماً، فيجب أن نُثبتَ عيوننا على الرب يسوع دائماً وبالتالي نستطيع أن نعرف هدف الشيطان، الذي يريد أن يفشلنا ويحبطنا، لذلك فرجائي أن نركز عيوننا على الرب يسوع المسيح، الذي فيه النجاح والانتصار.
الرجوع إلى الحياة العتيقة:
انحدر لوط إلى سدوم وعمورة بعد أن انفصل عن إبراهيم، ولكن الله أنقذه عندما حكم على هذه المدينة بالنار والكبريت. أرسل ملاكين لكي يخرجا لوط وعائلته منها، ولكي ينفذا قضاء الله عليها، ولكن بنات لوط وأزواجهن لم يسمعوا لقول أبيهم، فكانت النار والكبريت عقابا لهم. وعندما خرج لوط وزوجته وابنتيه، كانت تعليمات الملاكين أن لا ينظروا إلى الوراء والهروب بالسرعة الممكنة، ولكن زوجته لم تنس سدوم وكل ما لها فيها، فنظرت للوراء فصارت عمود ملح. وهذه نهاية كل من يعود إلى الطبيعة القديمة، فإنه سيخسر أشياء كثيرة في حياته(تك 12:19-16). فالدرس المستفاد مما سبق أن زوجته نظرت إلى المدينة وهي تحترق، لأنها قد تذكرت حياه الرفاهية والملذات العالمية، ولم يكن لديها الرغبة بالرجوع عن الخطيئة، فهل تنظر أنت أيضا إلى الوراء مشتاقا إلى الخطيئة، بينما تحاول أن تخطو إلى الأمام مع الله؟ وهناك أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس، توضح لنا الرجوع إلى الماضي، ونذكر بعضا منها:
1. ( 2 تيم 4: 10) يذكر الرسول بولس موضوع ديماس الذي عاد إلى الحياة القديمة.
2. ( 2 بط 2: 22) يوضح لنا الرسول بطرس مثال قوي عن الكلب الذي عاد إلى قيئهِ والخنزير المغتسلة (التي أصبحت نظيفة) إلى مراغة الحمأة (التمرغ في الوحل – لأن الخنازير تحب أن تتمرغ في الوحل القذر ) .
3. (لو 9: 60 – 62 ) ذكر للرب يسوع عن هذا الأمر أن شخصا أراد أن يتبعه ولكن تعلقه بالماضي جعله يتردد ويتراجع.
فالمسيحية الحقيقية تعلمنا أن نخلع العتيق ونلبس الجديد، كما في(أف 4: 22-24). والخلاصة من هذا الأمر، أن ننظر إلى رئيس إيماننا ونثبت عليه عيوننا، حتى لا نفشل ولا نحبط. وعلينا بالصبر لأننا في جهاد روحي مستمر كل يوم بحسب(عب 12: 2، 39:10)، وعلينا أن لا نتراجع للخلف، بل نتقدم إلى الأمام، وهذا ما يشجعنا به كاتب رسالة العبرانيين والاعتماد على الإيمان بالله، بما قد فعله لنا في الماضي والرجاء الذي لنا بما قد يفعله في الحاضر والمستقبل.
مؤمن مجرب يستعين بمؤمن مجرب آخر:
يقول المثل المتداول بيننا: "إنّ الطيور على أشكالها تقع". وهذا يَعني أن الشخص المؤمن المجرب من الشيطان، يستعين بمؤمن آخر قد وقع بذات التجربة عينها، ليس للوصول لمعرفة أسباب التجربة بأنها ليست من الله، بل لأن قلبه يرغب في العيش بحياة منقسمة مع الله والعالم، وبالتالي وضع نفسه تحت تجربة إبليس لأنه لم يذهب إلى الله مباشرة لطلب المعونة، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يجد الحل المناسب، لأنه لا يمكن أن ينجو من التجربة، إلا من خلال طلب زيارة الرب لقلبهِ لكي يعرف الأسباب ولثباتهِ في حياة الاستقامة أمام الله. وهناك مشكلة أخرى أن المؤمن المجّرب يختار مؤمناً مُجرباً آخر يتناسب مع نوع مشكلتهِ، وهذا الأمر يجعل التجربة أكثر تعقيداً، بل أنها تُعتبر طريقاً لجلب تجارب أخرى، لأن المشكلة ليست في نوعية التجارب التي حلت بالأشخاص المجربين، ولكنها تتعلق بذات الشخص نفسه وبطبيعة تجاوبه مع التجربة . فلذلك نحن نقول، من الأرجح والأفضل للمؤمن المجرب، أن لا يذهب إلى شخص مجرب آخر، بل إلى الرب شخصياً حتى يسمع الحل لمشكلتهِ كما في( رؤ 4:18) :
ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً آخَرَ مِنَ \لسَّمَاءِ قَائِلاً: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلَّا تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلَّا تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا.
فالشيطان يحب هذه الطريقة. ومثال ذلك يهوذا الإسخريوطي(أحد تلاميذ الرب يسوع الذي أسلمه لليهود) عندما كان في وسط التجربة، لم يذهب إلى يسوع مباشرة حتى تُحل مشكلته، بل ذهب إلى رئيس الكهنة وكانت النهاية مريرة وهي موتهِ (مت 27: 3- 5) إذ مات مشنوقاً. وهذه نوعية من المجربين الذين يقعون في أشد التجارب، ويكون تأثيرها سيئاً على الآخرين. فالخطورة ليست في مدح الآخرين عدة مرات، بل بالتفوه ضدهم بكلمات جارحة، فإنها تؤدي إلى تدمير العلاقة بينهم.
ونجد هذا المثال في العهد القديم، فبعد أن خرج شعب إسرائيل من مصر، وأكلوا المن واختبروا المعجزات الإلهية، فإن كلمة واحدة من عشرة جواسيس، جعلتهم يتذمرون على الله ويتراجعون عن إيمانهم به كما في(عد 32:13- 14: 1- 3). فخطورة الكلمات تكمن في قوة الخطيئة التي تؤدي إلى تدمير الآخرين. فالمؤمن غير الملتزم مع الرب من خلال سلوكه وحياته ومع الكنيسة، عندما يزرع الشيطان في قلبه زواناً فإنه يسقط سقوطاً عظيماً. والخطورة الأعظم عندما تصدر كلمات جارحة، من خادم أمام مؤمن حديث الإيمان. فإنها تُعثره وتكون سبباً في سقوطهِ. فلدينا المثال الواقعي على ذلك، فعندما نريد أن نبني منزلا، فقد يستغرق بناؤه فترة طويلة من الزمن، قد تكون سنة أو أقل أو أكثر، ولكن عندما نريد أن ندمر هذا المبنى، فخلال لحظات قصيرة يسقط المبنى بكامله.
وفي العهد القديم حينما يَذكر لنا قصة آدم وحواء، عندما أعطاهما الله الحرية أن يأكلا من جميع الشجر، ما عدا شجرة معرفة الخير والشر( تك 1:3-6). فسقط آدم بسبب العصيان هو وامرأته، وهذا السقوط كان في لحظة. فكل مؤمن معرض للتجربة، ولكن كيف تتغلب على التجربة ؟ في (مز 1:1) عن طريق طاعة الكلمة والسلوك بها. فليس من السهل أن ينقذ الشخص الذي تحت التجربة بل هو يتأثر بها وقد يسقط . أراد قسّ أن يكرز في وسط الشابات، ولا سيما بائعات الهوى. ومرت عليه سنة كان فيها تحت تأثير قوة الروح القدس.ولكن بعد هذه المدة، سقط مع بائعات الهوى. فالمُجَربُ يَنجذبُ إلى التجربة بطريقة أكثر.
التذمر وإلقاء اللوم على الآخرين:
يأتي التذمر وإلقاء اللوم على الآخرين نتيجة الشهوات العالمية. فنحن عَرفنا كيف أن شعب إسرائيل بعد أن خرج من أرض مصر، وعبر البحر الأحمر وسبحوا الرب على الجانب الآخر، إلا أنهم نسوا نعمة الله عليهم، بعد خروجهم بعدة أيام فقط، تذمروا على الماء المر، وألقوا اللوم على موسى، ولكن الرب بطيء الغضب، لذلك أعطاهم الماء العذب وقادهم إلى إيليم التي فيها الأثنىّ عشر بئراً(خر22:15-27).
وبعد أيام وصلوا إلى برية سين(خر3:16)، وهناك تذمروا على موسى وهارون في البرية. ولكن الله( خر35:16 ) لم يمنع عنهم المن لمدة 40 سنة، حتى جاءوا إلى أرض كنعان التي وعدهم بها. ولكن الشعب لم يثق في قدرة الله، فتذمروا عليه بسبب الأكل والشرب(خر 3:17). فالشعب تذمر مرة أخرى على موسى بسبب العطش في البرية، ولذلك قال يهوذا عن هذه النوعية في رسالتهِ(يه16) بأنهم نوعية كثيرة التذمر والشكوى على الله. فما هو مصير المتذمرين؟
(1كو 9:10) 9وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ.
تذمر شعب إسرائيل وشكوا في قدرة الله لهم، فأرسل الرب عليهم الحيات المحرقة (نوع من الأفاعي السامة جداً) فلدغتهم، فمات قوم كثيرون من إسرائيل في وسطهم(عدد 6:21). وأيضاً تذمرت مريم على موسى بسبب الحسد والغيرة من منصبه وصارت برصاء (البرص هو مرض جلدي يجعل لون الجلد أبيض ويسبب تساقط أطراف الجسم - وهو مرض نجس جداً لدى الشعب القديم).(عدد 10:12).وأيضاً بنو قورح والجمع الذين كانوا معه(عدد 16: 30 – 33 ) والنتيجة أن الأرض فتحت فاها وابتلعتهم. إن الذين يتذمرون، يسقطون في التجربة وهم معرضون للّعنة والهلاك. وأنا أؤمن أن الذين يشكرون الله دائماً بقناعة تامة هم الذين ينتصرون في أوقات التجارب.
إلقاء اللوم على الآخرين وعدم الاعتراف بالخطيئة :
يدافع المجربون عن أنفسهم دون أن يتوبوا عن خطاياهم بل ويلقون اللوم على الآخرين. فعندما سقط آدم في الخطيئة.
11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟»12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». (تك 11:3-12)
هذا هو إلقاء اللوم على الآخرين. فهو قد ألقى باللوم أولاً على الله الذي أعطاه المرأة ومن ثم يلقي اللوم على حواء . وأيضاً حواء ألقت اللوم على الحية:"13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ»(تك 13:3) ولكن لا بد للخطاة من التوبة إلى الله، وطلب الرحمة منه بقولهم:" يا رب اغفر لي لأنني أخطأت"، فالله صالح، فإذا كنت مِنْ الأشخاص الذين يلقون باللوم على الآخرين، دون أن تتوب فهذا يجعلك تغوص أكثر في الخطيئة .
الانحدار الروحي إلى العالم:
عندما واجه أليمالك التجربة، انحدر حرفياً إلى مكان آخر هذا كما يرويه سفر راعوث. ولكن روحياً انحدر إلى العالم. فعندما تأتيك المشكلة، لا تهرب منها لأنه ليس هذا هو الحل، بل عليك أن تواجهها. نرى في هذه الأيام في كوريا كثيراً من النساء المتزوجات، يهربن من عائلاتهن بسبب صعوبة الحياة. ولأسباب تافهة جداً، مثل الظروف الاقتصادية أو عدم التفاهم مع أزواجهن وهذا عكس ما كان يحدث في الماضي البعيد، أن الزوج هو الذي كان يترك العائلة ! ولكن ليس هذا الحل الصحيح للمشكلة. وبحسب الإحصائيات في كوريا، وجدوا أن المشاكل تزداد في البيوت التي تتركها الزوجات وليس الأزواج، لأن دور الأم مهم جداً في العائلة، وحالتنا تشبه هذه الحالة، لأننا نريد الهروب من المشكلة بدلاً من أن نتغلب عليها أو نواجهها كما هي، فما هو الحل؟ الحل هو أن نقترب من الله بالصلاة القلبية النقية، لكي نعرف إرادته ونكتشف حلوله بالصبر. فهناك فئات من المؤمنين الناضجين، الذين يتعلمون دروساً مهمة من خلال هذه المشاكل بأنها، وقت للتنقية والتمسك بالرب أكثر؛ فلذلك المشكلة هي الفرصة للاقتراب من الله، وهي أيضاً الأم التي تصنع أبطالاً في الإيمان.