Thu | 2022.Nov.24

التفرُّغ من الذات


«يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ»

يُعتبر المعمدان مثالاً رائعًا لشخص سلك عمليًا على مبدأ “التفرغ من الذات”. فعندما وُجِّه إليه السؤال: «مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟»، كان رده القاطع الحاسم: إنه مجرد “صَوْتٌ لِصَارِخٍ” ( يو 1: 22 ، 23). لقد عرف أن يجلس في المكان الصحيح، ولم يطلب لنفسه “أموراً عظيمة”. وهذا هو التفرغ من الذات. فكان شغله الشاغل، وهدف عمره، أن يُعظم شخص المسيح ويُعليه.

وعندما رأى المسيح ماشيًا، امتلأ قلبه بالبهجة والسرور، وأجاب اثنين من تلاميذه: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ!» ( يو 1: 29 ، 36)، فسمعاه يتكلَّم بإعجاب تعبدي عن المسيح، فتبعا المسيح. وعندما تركاه ليتبعا المسيح، لا نلاحظ في حديثه أي أسف أو مرارة تنتج عن القلب المتكبر المسكين. فلا غيرة ولا حسد في القلب المُفرَّغ من الذات. فالشخص الذي تمتع بالتفرغ من ذاته، لا يُجرَح ولا يَحزَن عندما تتحوَّل عنه الأنظار. فكان اقتناعه العميق أنه لا شيء على الإطلاق، وشخص الرب يسوع في نظره هو كل شيء.

وأتى إليه ذات مرة تلاميذه قائلين: «يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ ... هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ» ( يو 3: 26 ). وهنا كانت كل العوامل والظروف مهيأة لإثارة الحسد والضغينة في القلب البشري المسكين. ولكنه أجاب بهذه الروعة: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ» ( يو 3: 26 ، 31). ويا لها من شهادة نفيسة غالية! شهادة عن كونه لا شيء على الإطلاق، وشهادة لتقدم المسيح في كل شيء.

آه! ما أحلى التفرغ من الذات! ما أروع فقدان صورة الذات البغيضة من أمام عيوننا! يا ليتنا نسعى في هذا الطريق المُبارك، وَنُظْهِر عمليًا في كل تفاصيل الحياة ـــــ من تصرفات وأقوال ـــــ هذه الصفة الجميلة: “الاتضاع”، وعندئذ يُسر الرب أن يستخدمنا، ويرتاح في داخل قلوبنا، ويُبارك كل الحياة.

ماكنتوش



أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلأ بي.

يوحنا 14 : 6